النصرُ قرارٌ
قد يكون الاحتفاء بذكرى الانتصار في الحروب حدثاً تقليدياً سنوياً لدى جميع الدول، تفاخر به بإعادة التذكير بما أُنجز، وكيف أُنجز، وكيف تم إلحاق الهزيمة بالعدو والخسائر التي تكبّدها، لكن لذكرى حرب تشرين التحريرية -1973- طابعُ خاص فهي حاضرة دائماً، وليست محصورةً في إقامة احتفال، إذ كانت مفرزاتها مدرسةً نستحضرها دائماً، ولاسيما أنها أسّست لما تلاها على مستوى الصراع مع العدو.
نستحضر ذكرى تشرين اليوم، لتراكم الانتصارات التي حقّقها أبطال الجيش العربي السوري، منذ تشرين المجيد وإلى اليوم، هذا الجيش الذي هزم العدو، وحرّر الأرض في حرب التحرير، واليوم يحرّر بواسله الأبطال الأرض السورية، ويلحقون هزيمة إضافية بالعدو ذاته الذي وقف داعماً لأعتى التنظيمات الإرهابية في الحرب الكونية التي شنّت على سورية منذ عشر سنوات ونيفٍ، ليكون الانتصار هو الحليف الدائم لنا، وهذا نتاج طبيعي لأصحاب أيّ قضية عادلة ومحقّة في مختلف البقاع الجغرافية، طال الوقت أم قصر.
إن التشابه بين اليوم والأمس، ليس محض صدفة، بل هو حتمية تاريخية، إذ قد تختلف الظروف والمعطيات والعوامل الدولية والموضوعية المرافقة للأحداث ومسبّبات الحروب والصراعات، لكن ذلك لا يلغي نقاط التقاطع مع مرور الوقت، فالعدو في منطقتنا واحد، هو الكيان الصهيوني، والانتصار عليه في إحدى المراحل لابدّ من أن يؤسس لانتصارات لاحقة سواء على هذا الكيان مباشرةً أو على أدواته وأذرعه باختلاف تسمياتها، وباختلاف الوكلاء على الأرض، والبعض من الإقليم الذي ارتضى أن يقف في طابور الأعداء.
استذكار التاريخ في إحدى محطاته وربطه بالحاضر ضرورةٌ ملحّة، فالحروب المستمرة في استهدافنا بمختلف مسمياتها وأشكالها لم تأتِ أبداً من خارج السياقات الدولية، ولاسيما أن سورية دولة مقاومة، لذا هي على الدوام مستهدفة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وانطلاقاً من إدراك هذه الحقيقة كان الاستعداد المسبق للنصر والانتصار هو الخيار والقرار الذي لا حياد عنه في مختلف الحروب والأزمات.
الجميع يستذكر التاريخ، إنما ثمة فروقات، فالدول الاستعمارية، تستحضر تاريخاً مشوّهاً مملوءاً بالحقائق المزيّفة والمنقوصة والأكاذيب، أي إنها تصدر الباطل، بينما الدول ذات القضايا المحقّة فإنها تستند إلى تاريخ انتصاراتها لتبني عليه انتصارات جديدة، وتعيد تأكيد الحقائق كما هي من دون تشويهٍ أو تلفيقٍ أو تزويرٍ.