سوء استخدام
يُلاحق سوء الاستخدام مفردة «الإبداع» أينما اتجهتْ، تُلصق وتُطبع وتُقال كأنها عرضٌ مجانيّ، ويُجاهر البعض بما هو أسوأ حين يُعنونونَ صفحاتهم وكتاباتهم بكلماتٍ على نمط «إبداعات ومبدعون»، كأحكامٍ نهائية لا داعٍ للبحث فيها أو تقييمها كأيّ منتج أدبي وثقافي، وإذا كان التعريف الأقدم للإبداع يوازي الصنع أو الابتكار فهو لا يعني كتابة ما لم يُكتب أو الإتيان بما لم يأتِ به أحدٌ حتى اليوم، لكنه في شكله الأبسط قدرةٌ على جذب المتلقي قارئاً ومتفرجاً ومستمعاً، أي ما يجعل أحداث رواية ما أو قصة تستمر في ذواتنا بعد أن تنتهي صفحاتها، ولأن ردّ الفعل هذا يصل إلى مدّعي الإبداع على شكل مديح ومجاملات، فالمشكلة إذاً لا تستثني القارئ إن لم يكن منبعها.
يُلاحق سوء الاستخدام مفردة «التجديد»، ولاسيما موسيقيّاً، فمع الإجماع المعلَن عن ضرورة إحياء كل ما هو منسي أو معرض للنسيان والضياع إلا أنّ ما يجري حقيقة لا يقل أذيةً عن الحاصل سلفاً، والمشكلة هذه المرة أن رافعي شعارات التجديد، والذين يُفترض أن يتعاملوا مع ما بين أيديهم من تراث موسيقي بأمانة وحكمة يرون تسويق الموسيقا الجديدة، أولوية، كأنها ملكهم الخاص أو تركة آبائهم، متجاهلين أن تحريفها وإعادة نشرها، يتنافى تماماً مع صون التراث، ويُثبت مجدداً أن التسويق هو ما تحتاجه الموسيقا المحلية في التراث والمعاصر منها مع بعض التزيينات والإضافات المدروسة، ويُؤكد في الوقت نفسه أن استمرارية بث ما هو خفيف إلى درجة السخافة، تعني بالضرورة أن يردده الجميع، كما حصل مؤخراً في الفيديو المنشور عن إحدى المدارس.
يُلاحِقُ سوءُ الاستخدام مفردةَ «المثقف» أيضاً مهما تباين الزمن، ففي أحسن الأحوال عدّ المثقف متعاليّاً ومشغولاً بما لا يعني سواه، هكذا أظهرته الدراما مراتٍ كثيرة، مُرتاباً ومُريباً، انفعالياً وحانقاً، باحثاً عن أوهام جعلته مثاراً للاستخفاف والضحك، اليوم يخرج النقاد والباحثون فور انتهاء ندواتهم ومحاضراتهم، آملاً بالفوز في مقعد في أحد “السرافيس” لأن إمكاناتهم المادية لا تسمح بالركوب في “تكسي”، يقول أحدهم:« يا زمان الأبراج العاجية… ولا صيت فقر». ربما ورّثَ سوءُ الاستخدام، سوءاً في الطالع، فما عاد المثقف معنياً بتفسير العالم والتنظير المعروف عنه، اليوم عليه أن يُفسّر ما هو واضح برغم استحالة تفسيره!.