فساد مطلق
تصدر الكثير من جهاتنا العامة العديد من القرارات بعد دراسة معمقة للواقع لكنها تفاجأ أن مستوى الرضا العام عن أداء المؤسسات والشركات التابعة لها في أدنى مستوياته، لأن قيمة ما صدر عنها من قرارات كانت حصيلته صفراً على الأرض لتنفيذه بطريقة مغلوطة أو بأسلوب خاطىء فرّغ القرار من محتواه.
وعدم فعالية القرار قد يكون بسبب عمليات «الغربلة» التي تتم من قبل الجهات المفروض أنها ستعممه وتضع آليات تنفيذه أو الجهات المنفذة له، واستغلال أي ثغرات موجودة في القرار لضمان استمرار مصالح بعض المستفيدين من الفاسدين، ونجد في أحيان كثيرة عندما تكثر الجهات التي تفسر القرارات للجهات الأدنى منها أن النسخة النهائية تعاكس أو لا تمت بصلة للقرار الأول.
وسوء تنفيذ القرار أو عدم تنفيذه في المستويات الأدنى لا يعفي أبداً الجهة المسؤولة لأنه من المفروض والواجب عليها أن تتبع نتائج ما صدر عنها وتستفيد من معلومات التغذية الراجعة لتعديل أو تصحيح قراراتها، وهذا ركن أساسي من أركان اتخاذ القرارات .
وعلى سبيل المثال فإن الإمكانات الهائلة التي وضعت تحت تصرف «السورية للتجارة» كان الهدف منها التدخل الإيجابي ووضع حد معين لأسعار المواد الأساسية، ليتبين لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بعد قيامه بزيارات غير معلنة – وفق ما كشف عنه- لعدد كبيـر من صـالات السورية في دمشق ومحافظات أخرى أن أسعار الخضار والفواكه في الصالات أعلى من أسعار السوق وهي ليست من النوعية الجيدة مؤكداً أن هذا الأمر لن يستمر وسيعالج فوراً.
علماً أن مواد إعلامية عدة انتقدت ما تقوم به المؤسسة وبيّنت أن أسعارها أغلى من السوق في كثير من السلع وهذا لا يتناسب مع الهدف من وجودها ومن السلف الكبيرة التي قدمتها لها الحكومة.
وما ينطبق على «السورية للتجارة» يمكن تعميمه على كثير من جهاتنا العامة المسؤولة عن توزيع المواد المدعومة، لهذا يمكن القول: إن الثقة المطلقة (بالجهات الأدنى التي تكون على احتكاك مباشر مع المواطنين) هي فساد مطلق ما يلزم الجهات الوصائية عليها بالرقابة المستمرة، لأن المثل يؤكد «إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم».