غير مأسوف عليهم
يهدد الكثير من صناعيينا وتجارنا ورجال الأعمال في كل فرصة تتاح لهم للحديث عن أوضاعهم بأن حقائبهم باتت جاهزة, وأنهم جاهزون للهجرة بسبب الصعوبات التي يعانونها وتوقف الدلال الذي كانوا يحصلون عليه سابقاً، وأن دول العالم قاطبة تفتح أبوابها لهم.
لا أحد ينكر ما يعانيه قطاع الأعمال في سورية بسبب الحرب الإرهابية على سورية والحصار الغربي المخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية، ولاسيما في مجال تأمين المواد الأولية والمحروقات والحوالات وغيرها، لكن حتى الآن يمكننا القول: إن هذا القطاع لم يتكبد خسائر وربما انخفضت أرباحه بنسب قليلة، لأن الذي تحمل فاتورة الظلم الدولي هو المواطن الذي جيرت إليه جميع الارتفاعات في تكاليف الإنتاج والاستيراد، وبات الحلقة الأضعف في السوق لأنه مضطر لشراء حاجياته برغم الارتفاعات اللامنطقية في أسعار الكثير من السلع والمنتجات الأساسية.
وإذا أردنا تحليل سوء الوضع الاقتصادي حالياً فإن الدور الأكبر الذي سبّب هذا الأمر بعد الإرهاب المدعوم دولياً، هو قيام رجال المال أنفسهم (المهددين بالهجرة) بتصريف أموالهم إلى العملات الصعبة منذ بداية الأزمة والمضاربة على العقارات والسيارات وتهريب أموالهم إلى الخارج، وأخذوا القروض واستعملوها في عمليات المضاربة على العملة الوطنية، وإحجامهم عن الاستثمار الحقيقي الذي يشكل العون للجميع في تحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي، وتوجههم نحو الأنشطة سريعة الربح خالية المخاطر الأمر الذي سبب أضراراً بالغة باقتصادنا ومواطننا.
من يهددون بالهجرة اليوم هم أنفسهم من فتحت لهم الدولة ذراعيها وقدمت لهم كل أنواع التسهيلات ما قبل الأزمة وخلالها، وتغاضت عن الكثير من ممارساتهم الأنانية مثل التهرب الضريبي والجمركي، والتخلف عن سداد القروض، وهم من استفادوا من الدعم الكبير الذي كان يقدم لأسعار المحروقات وحققوا ميزات تنافسية مكّنتهم من أخذ حصص كبيرة من الأسواق المجاورة والعالمية.
والآن في وقت الضيق كشّروا عن أنيابهم وظنّوا أنهم قادرون على وضع الجميع أمام خيارين الأول أن تقدم لهم الدولة كل أشكال الدعم بشكل غير مشروط والإعفاءات الضريبية والجمركية والقروض الميسرة، أو أن يهربوا من واجباتهم الوطنية ويتنعموا بما حققوه في البلد أثناء سنوات الرخاء و«البحبوحة» في دول أخرى يدفعون فيها الضرائب والرسوم صاغرين، ظناً منهم أن الدول الأخرى ستقدم لهم كل شيء بشكل مجاني ومن دون مقابل…
اقتصادنا الوطني لا يخلو من رجال الأعمال الشرفاء الحاضرين لرد الجميل لبلدهم في أحلك الظروف، والمستعدين لتحمل الصعاب وانخفاض الأرباح في سبيل الحفاظ على كرامة بلدهم وإيمانهم بانتصار نهج الدولة وأن المستقبل سيكون أفضل، وأما المراوغون فليرحلوا غير مأسوف عليهم….