تحطيب الذكريات!
عاتب أبو محمد أخاه قائلاً: بعت «السنديانة» يا فواز، أليست جميع ذكرياتنا مع والدنا رحمه الله مرتبطة بها؟ فرد عليه أخوه والخجل في كلماته: عرض مبلغاً من المال أنا وعائلتي بحاجة ماسة إليه هذه الأيام لنتدبر أمورنا ونؤمن مؤونتنا وتكاليف ذهاب أبنائي إلى الجامعات، لعن الله الحاجة التي أجبرتني على فعل ذلك..
هذا حال جميع أبناء أريافنا الذين اتجهوا إلى تحطيب الأشجار الحراجية وحتى المثمرة مدفوعين بالحاجة المادية وقلوبهم يعتصرها الألم لتخليهم عن الأشجار التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، أو زرعوها مع أبنائهم وأحفادهم، ورعوها وداروها كما عاملوا أطفالهم، وارتبطت بذكريات طفولتهم وشبابهم..
وهذا كله بسبب ارتفاع أسعار الحطب في ظل غياب مواد التدفئة من محروقات وكهرباء وغلاء المعيشة وضعف الإيرادات الملائمة للعيش الأفضل، وازدياد الطلب على الحطب وبالتالي ارتفاع أسعاره مع عدم وجود أمل بحل معضلة التدفئة هذا الشتاء، لأن الخمسين ليتراً من مادة المازوت التي وعدت بها شركة محروقات لم توزع بالشكل المطلوب وحتى وإن تم توزيعها فلن تكون كافية ولاسيما في أريافنا.
ورغم تكليف مجلس الوزراء أمس وزارتي الكهرباء والنفط «اتخاذ المزيد من الإجراءات ومضاعفة الجهود لتحسين واقع القطاع الكهربائي خلال فصل الشتاء القادم واستكمال تأهيل محطات التوليد المتعاقد عليها وزيادة كميات الغاز المستخرجة واستثمارها بالشكل الأمثل في عمليات التوليد وتشجيع التوسع باستخدام الطاقات البديلة وتذليل الصعوبات أمام مشاريعها»، إلا أن المواطنين بحاجة إلى إجراءات سريعة وآنية..
كما أن تشديد مجلس الوزراء أمس على جميع الجهات المعنية اتخاذ كل ما يلزم لمنع احتطاب الغابات والقطع الجائر للأشجار، وطلب تشكيل ضابطة ودوريات مشتركة بهدف الحفاظ على الغابات ومنع أي تعدٍ عليها، إلا أن هذا صعب التطبيق في ظل غياب البدائل..
موضوع حماية أشجارنا وأحراجنا أمر مهم للغاية لما له من دور اقتصادي وبيئي لكن ذلك لن يتم فقط بالوعود المكرورة بلا نتائج، ولا من خلال الرقابة المشددة والتهديد بالعقوبات على عمليات التحطيب، والحل الأمثل يكمن في دراسة ومعرفة أسباب هذا الأمر الخطير ووضع الحلول السريعة والإستراتيجيات الطويلة من خلال تأمين مواد التدفئة والعمل على تحسين وضع الفلاحين الاقتصادي، والبدء في حملة تشجير واسعة لتعويض ما فقدناه من هذه الثروة خلال العقد الماضي.
وفي حال تقديم الحلول المناسبة، فإن فلاحينا سيكونون أحرص من غيرهم على الأشجار والأحراج لأنها في نظرهم بقيمة أبنائهم..