العنف في تربية الأبناء وعلاقته بالتحصيل الدراسي
تعد الأسرة الخلية الرئيسة في استمرار الحياة الاجتماعية، والمحيط الأول الذي يعيش فيه الفرد ويكتسب منها الصفات الاجتماعية الأساسية والدعائم الأولى لشخصيته، فالأسرة التي يغلب عليها طابع الاستقرار والهدوء ينمو فيها الفرد بشكل سوي، بينما التي تعيش في فوضى تخلق نوعاً من الاضطرابات للفرد، خاصة فيما يجري ضمن المحيط الأسري بالنسبة لأساليب المعاملة، وما يتبعها من مشاكل، كالعنف الأسري ضد الأبناء لتربيتهم.
ولهذا فإن إحدى المشاكل الخطيرة التي تعانيها الأسرة، والتي أجريت حولها العديد من الدراسات، نظراً للآثار السلبية الكبيرة التي تتركها أساليب معاملة الوالدين غير المعتاد عليها مع الأبناء داخل المنزل، فاعتماد بعض الأولياء العنف وسيلة لتربية أبنائهم، وتحفيزهم على التحصيل الدراسي سيترك لديهم حالات نفسية قد تلازمه فترات طويلة.
د. منى كشيك رئيسة قسم أصول التربية في كلية التربية جامعة دمشق بيّنت أن الإساءة تمثل جزءاً لا يتجزأ من العنف الموجود في المجتمع، فهي مظهر من المظاهر الأسرية التي ترجع أصولها إلى القيم الموجودة في المجتمع الثقافية والاجتماعية وعلاقات القوة، فسلوك العنف والإساءة ليس معناه أن يقوم الأب بضرب ابنه فقط، بل يحتوي على معانٍ ثقافية ونفسية واجتماعية، لها أثر سلبي في السنوات التالية من عمره، منها ما يتعلق بنفسيته وصحته الجسمية، وما يظهر في سلوكياته وحتى علاقاته الاجتماعية مع الآخرين.
وتعد إساءة معاملة الأبناء من المشكلات التربوية والاجتماعية التي يتعرضون لها من والديهم، أو أحد أفراد أسرهم، ومن أكثر أنواع الإساءة هي العنف النفسي والجسدي واللفظي والمادي والمعنوي، ويعد التأخر الدراسي من أهم الموضوعات التربوية والنفسية التي تشغل بال المربين، وتحدث بسبب العنف والإهمال الأسري.
وأكدت العديد من الدراسات (دراسة أجريت على طالبات في المرحلة الثانوية) أن تحصيل الطالبات يتأثر بالعنف الموجود في محيطهن، وجاءت النتيجة إيجابية لأنهن يتعرضن لأنواع مختلفة من العنف، على سبيل المثال صراخ الأب في وجه ابنته، أو شتمه لها أو السخرية عند عدم موافقته الرأي.
وأكدت نتائج الدراسة بحسب د. كشيك أن الطالبات لا يستطعن تطوير تحصيلهن الدراسي نتيجة ما يشاهدنه من مظاهر العنف، وأشكاله داخل الأسرة، حيث لا يوجد تشجيع أو تقييم على إخفاقهن الدراسي، ولا أحد يكترث حتى ولو بتوجيههن نحو الاستذكار والدراسة، أضف إلى ذلك فإن الضغوطات النفسية والاجتماعية عليهن تقف عائقاً أمام تقدمهن الدراسي، ما يؤدي إلى إخفاقهن في التحصيل الدراسي، فالضغوطات الاقتصادية أيضاً قد لا تمثل بيئة صحية للتقدم الدراسي، ما يسهم في انخفاض تحصيلهن الدراسي.