يُنظر إلى “صعود الصين” على أنه عملية سياسية جوهرية، سعت من خلالها الحكومة الصينية إلى تعزيز تواجدها الدولي بشكل لا رجعة فيه، وأصبحت التنمية الاقتصادية هي السياسة العليا في البلاد، ونتيجة لذلك، يبدو من الطبيعي أن يتسبب نجاح التنمية الاقتصادية في إحداث تداعيات سياسية على المستوى الدولي، حيث تتم مراقبة صعود التنين الصيني بحذر وقلق من دول الجوار والولايات المتحدة بشكل خاص.. فهل ستصبح الصين مصدر تهديد للولايات المتحدة واليابان والدول المجاورة؟
ينشأ سبب القلق الأمريكي من الصين من خوفها بالدرجة الأولى على مكانتها المهيمنة في السياسة العالمية، ومن إدراك الولايات المتحدة عدم موافقة الصين على السياسات الغربية عموماً، وخاصة سياسة الولايات المتحدة القائمة على فرض سيطرتها على بعض الدول بحجة تحقيق الديمقراطية، حيث أقنع النمو الاقتصادي المذهل في الصين الغرب بأنها مجرد مسألة وقت حتى تصبح الصين قوة عظمى في العالم، ما يهدد الوجود الأمريكي الذي يرى أنه القوة العظمى بلا منافس.
لقد جمعت الصين بين النمو الاقتصادي المذهل و”الحوكمة السياسية” غير المتوقعة، ما تسبب في إثارة مخاوف عميقة بشأنها بين دول الجوار والولايات المتحدة، لكن الحكومة الصينية أدركت الحاجة الملحة لتهدئة هذه المخاوف وبناء بيئة دولية داعمة لصعودها، حيث رعت العديد من المسائل مثل إقامة المعارض في البلدان الأجنبية، والترويج لبرامج اللغة الصينية، وما إلى ذلك، والأهم من ذلك، ما جاء في أطروحة رئيس مجلس الدولة الصيني وين جياباو التي حملت عنوان “نهوض الصين السلمي” في خطابه الذي ألقاه في جامعة هارفارد، والذي ركز فيه على عدد من النقاط وهي:
تعتمد تنمية الصين بالدرجة الأولى على المساهمة في السلام العالمي، وستلجأ إلى الوسائل السلمية من أجل تحقيق ذلك الهدف، كما ستعتمد بشكل أكبر أثناء عملية التنمية على مواردها وسوقها، مع العلم أن الحكومة الصينية تعلم أن ذلك سيأخذ وقتاً طويلاً وربما يمتد لأجيال لكنها مستعدة للعمل الجاد، من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي.
وبموجب المبدأ التوجيهي المتمثل في “نهوض الصين السلمي”، كانت الصين قد وقعت وما تزال معاهدات شراكة إستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند لتقوية علاقاتها مع تلك الدول، كما عملت على تعزيز “سياسة حسن الجوار” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من خلال زيادة التجارة مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ والسماح لهذه البلدان أيضاً بالاستمتاع بالفائض التجاري مع الصين، وأصبحت شريكًا تجارياً مهماً مع هذه البلدان، إلى جانب ذلك، دخلت في آليات مختلفة للتعاون الإقليمي مع هذه الدول.
خلال الأزمات المالية الآسيوية عام 1997، امتنعت الصين عن تخفيض قيمة عملتها وساعدت على استقرار الاقتصاد الإقليمي من خلال تعبئة احتياطي العملة الأجنبية لديها، وقد لقي ذلك ردود فعل إيجابية من دول هذه المنطقة وحتى من الولايات المتحدة التي سعت الصين إلى تجنب المواجهة معها والتوجه بشكل رئيسي لبناء اقتصادها، حيث بعثت الحكومة الصينية برسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن الصين قوة محافظة وليست لديها نية لزعزعة الوضع الراهن، وبالتحديد مع الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، كما نجحت الصين في إدارة العلاقات مع القوة العظمى الوحيدة والشركاء الاستراتيجيين من الدرجة الثانية والدول المجاورة.
على مدى السنوات الخمس الماضية، كانت القيادة الصينية حذرة وناجحة، إلى حد ما، في إدارة السياسة الداخلية إلى جانب السياسة الخارجية وخاصة ما يتعلق بالنزعة الأحادية الأمريكية.
ويرى محللون سياسيون أن شهر العسل بين الولايات المتحدة والصين أعقاب هجوم 11 سبتمبر/ أيلول والتحالف المناهض للإرهاب قد وصل إلى نهايته، بينما يميل آخرون إلى القول: إذا غيرت الولايات المتحدة سياستها إلى نهج متشدد تجاه الصين، فإن الاضطرابات الدورية في العلاقات الصينية- الأمريكية قد تظهر بوضوح أكثر من قبل، ما يدعو للقلق ويعرض خطة الصين للنهوض السلمي للخطر.
يبدو أن الولايات المتحدة كانت أكثر استفزازًا تجاه الصين، في الوقت الذي سعت فيه الأخيرة إلى الصعود بهدوء نحو القمة، واللافت أن الصين وإن عملت بقوة على تحقيق تنميتها الاقتصادية، لكنها لن تهيمن على العالم أو تظهر كتهديد لأي دولة.
مجلة “نيويورك تايمز” الأمريكية