ضغط المناوبات على الطبيب المقيم وأعباء كثيرة يتحملها
الطبيب المقيم مرحلة يقضيها بين التخرج والاختصاص وتعد إلزامية الوجود وطويلة الأمد، وفي الحقيقة يواجه فيها صعوبات مع بداية التحاقه بالمشفى، فالراتب منخفض والدوام شاق ومتعب والإجازات صعبة المنال، وأكثر ما يحز في نفس الطبيب المقيم عدم تقدير جهده وتعبه.
الطبيب المقيم محمد يتمنى وجود تسهيلات أكثر في حياتهم «كأطباء مقيمين»، وخصوصاً بالمعاملات الورقية المطولة التي يحتاجون لإتمامها لإجازة ساعية، والتوجه لمديرية الصحة المزدحمة، وتحمل تكاليف المواصلات والعودة لاستئناف العمل فوراً في المشفى من دون راحة، فيما يقترح إيجاد مراسلات إلكترونية أو بالفاكس بين المشفى والدوائر الحكومية المعنية بوزارتي التعليم العالي والصحة، لأن ذلك سيغني الطبيب المقيم عن هذه الدوامة المرهقة، ويضيف: إنه لم يقبض راتبه منذ ثلاثة أشهر، لأن القبض لا يزال عن طريق المعتمد المالي، وليس عن طريق بطاقات الصراف، ولا يتجاوز ٥٧ ألف ليرة، وساعات المناوبة مرهقة وطويلة، ويتم إلزامنا في كثير من الأحيان بمناوبات إضافية من دون راحة أو مكافأة مادية، وليس سراً المعاملة الهرمية والتميزية التي تسير بين الطاقم الطبي داخل المشفى وخصوصاً طلاب الدراسات العليا، حيث يتم معاملة الطبيب المقيم كأنه جاهل وبدائي لا يمت للطب والعلم بصلة ، كما أن طبيعة الملازمة في المشفى تفرض تأخر الفرد بقدرته على تأمين استقراره ومستقبله العائلي، وحرمانه من العديد من الفرص التي لا يستطيع أن يجمعها مع مسؤوليته كطبيب مقيم.
د. إبراهيم الأخرس رئيس الأطباء المقيمين في مشفى دمشق يقول: فيما يخص موضوع المناوبات للطبيب المقيم، لا نستطيع عدّه موضوعاً بسيطاً له أسباب بعيدة أهمها أن هناك تسرب عقول للأطباء إلى خارج البلد، وهناك أسباب قريبة لا نستطيع أن نحسبها، إلا إذا أحصينا عدد الأطباء في كل شعبة وكل اختصاص في كل مشفى ، لأن هذا يختلف بين مشفى وآخر، وحسب ضغط العمل الذي يفرضه الواقع المدني على المشفى والشعبة، إضافة إلى عدد الأطباء – مثلاً: شعبة الأطفال في مشفى مثل المجتهد مزدحمة، وعليها ضغط كبير، وفي المقابل هناك عدد أطباء جيد ولكن حتى الآن الأعداد غير كافية، وتالياً هناك ضغط مناوبات، بينما هناك اختصاصات لا يوجد إقبال عليها أو الرغبة بها كجراحة الأوعية أو الجراحة الصدرية، ففي مثل هذه الحالات سيكون لدينا نقص أطباء على مستوى أغلب المشافي، في المقابل يوجد اختصاصات أخرى مرغوبة أكثر يدخل إليها الأطباء المقيمون وضغط العمل عليها ليس شديداً فتكون المناوبات مريحة للطبيب المقيم .
وبالعموم حسب د. الأخرس فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن ضغط مناوبات بشكل عام على أطباء البلد إلا إذا فنّدنا ما هو المشفى… والشعبة …وما الحاجة والإقبال.. عدد الأطباء والحاجة لهم.
وفيما يخص المفاضلات بيّن د. الأخرس بأن من يحددها هي مديرية الصحة في كل محافظة، بعد الرجوع إلى إدارة المشفى للتدقيق أين يوجد النقص أو الزيادة، وبناءً عليه يوضع في المفاضلة لنحصل على مقاعد أكثر، ويتم رفد المشافي بعدد أطباء من الخريجين الجدد أكثر.
وبدءاً من أعوام 2014- 2015- 2016 كان تسرب الأطباء شديداً، وكل الاختصاصات كان فيها ضغط مناوبات لنقص في أطباء الجراحة والداخلية.
أما موضوع الوجبات فالموضوع مهم جداً بالنسبة للمقيم، فميزانية الطعام هي من المشفى، باستثناء بعض المشافي التي تتبع لمديرية الصحة فميزانيتها من المديرية، هذا الموضوع يخلق نوعاً من التفاوت بين المشافي، لأننا لا نستطيع مقارنة مداخيل مشفى المجتهد بمشافي اخرى كمشفى التوليد مثلاً فمشفى المجتهد مركزي واستقباله لحالات الإسعاف كبيرة جداً، وخدماته المجانية التي يقدمها للمواطن كثيرة ومع ذلك فأنه يقدم وجبات جيدة للمرضى والكادر والعمل مستمر على التطور والاستمرارية بهذا المجال.
واقع الطبيب المقيم سيئ جداً بسبب الظروف المادية التي نعيشها، فالدخل الذي يتقاضاه لا يتناسب مع حجم العمل، ولا مع السوق وغلاء الأسعار بشكل عام، أضف إلى ذلك فإن الأطباء الملتزمين بالمناوبات من الصعب جداً عليهم أن يلتزموا بعمل آخر خارج المشفى ، والمشافي الخاصة صارت تستغل الطبيب وحاجته للعمل ويتعاملون معه بأسلوب بشع وبأجر بخس.
د. غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية تحدثت عن الحالة النفسية التي قد يعانيها الطبيب المقيم فتقول: للأسف يعامل الطبيب المقيم في بعض المشافي كآلة مبرمجة على العمل من دون راحة، وهذا في رأي مخالف للقوانين، فالطبيب المقيم هو العصب الأساس للمشفى وهو ينهل الخبرات الطبية العملية من خلال تواجده الدائم في المشفى ومناوباته المتواصلة، ويفترض أن تكون البيئة النفسية للمشفى مريحة.
وفضلاً على ذلك يعاني الطبيب المقيم من تحمل ارتفاع تكاليف وأعباء الحياة المعيشية الإضافية، حيث يضطر في كثير من الأحيان لشراء وجبات طعام من خارج المشفى، أو شراء القفازات الطبية والكمامات وتأمين المواصلات.
يتمنى جميع الأطباء المقيمين أن يتم إعادة النظر بأوضاعهم داخل المشافي الحكومية، والعمل على تكريمهم وتقدير جهودهم ودعمهم نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهذا ما سيرفع مستوى صحته النفسية، وسينعكس إيجاباً على أدائه الطبي، ويصبح أكثر فعالية ونشاطاً في دوامه داخل المشفى، ما سيزيد من فعالية الطاقم الطبي ككل، ويخفض من هجرة الأطباء وتناقص أعدادهم، فالطبيب السوري هو الأذكى طبياً على مستوى العالم، والأكثر دقة في التشخيص وإبداعاً في العلاج، ويسجل التاريخ اليوم جوائز تكريمية لأطباء سوريين في مختلف أرجاء العالم لتميزهم في إيجاد علاجات آمنة لحالات كانت تعد مستعصية على الشفاء.