النجم والشجر
أطلق العنان لخيالك ودعْ أفكارك تضع الخطوط العريضة للوحة جديدة لم ترها من قبل.. سترى عالماً متحركاً يتجاوز حدود المساحة البيضاء إلى سماء صاخبة تتداخل فيها الغيوم البيضاء والرمادية.. إنها فضاء الفكر.. وارسم نافذتين تطلان على عالم الخيال.. إنهما عينان تخترقان الحواجز ويصل مداهما بالرؤية إلى كون واسع يضم حياة كاملة، وازرع أشجارك بين النجوم لتضيء الأرواح الباردة وارسم درباً واسعاً تعبر على ضفتيه قافلة صغيرة من الغزلان تقفز فوق الحقول تاركة خلفها نجوماً متلألئة. وفي كل فراغ انثر باقة من الورود الملونة بقوس قزح الحب والود والرحمة، واسقِ بذور النفس العطرة لتنبت في القلوب الخضراء قمحاً وياسمين.
لطالما تمنيت أن أمسك بيدي الفرشاة وعلبة الألوان وأضع الخطوط والألوان على لوحة من قماش أبيض أريد أن أهرب إلى اللوحة وأصنع العالم الذي أتمناه.. في البداية سأرسم شجرة فأنا أحب الأشجار الخضراء الوارفة الأوراق الكثيرة الثمار، وبعد ذلك سأرسم عينين من الماء الأزرق الرقراق تجريان عبر اللوحة وتحيط بهما الكثير من الأشجار والفواكه المتدلية، ولابد من بيت صغير تطل عليه الشمس من الجهات الأربع يصلح متكأً وبعض الوسائد الملونة.. نعم نحتاج إلى صحبة إلى وجوهٍ تسكن فيها الطيبة والطمأنينة وإلى قلوب نظيفة تهدي من يجالسها محبة ووداً صادقاً.. مازالت في لوحتي مساحات بيضاء لابد من وضع ملامح للسماء الزرقاء الجميلة تزينها بالشموس المضيئة.. المنتشرة في هذا الكون لتكون اللوحة واسعة وعلى صفحة السماء تركض غيوم بيضاء تشبه وروداً كبيرة.
أنظر إلى الأفق.. ما أبدع هذا الكون.. كله خيرات.. الأرض ممهدة وتحتاج إلى من يحبها ويعمل فيها بإخلاص.. لابد من أطفال صغار يلعبون فوق العشب الأخضر وثمة عصافير وفراشات وطيور تحلّق وتزقزق فوق الأفنان.
كل ما في هذه اللوحة يحتاج إلى التأمل والتفكر والتبصر بتلك القدرة المبدعة التي أوجدت هذا الجمال. أنظر للتفاحة اليانعة ثمة شكر وعرفان وحمد لصانعها الذي أوجدها لتكون بهذا الجمال وهذا الطعم اللذيذ! كيف تم احتساب كمية السكر فيها فهي ليست بالحامضة أو شديدة الحلاوة.. ومن أين جاء الماء العذب إلى خلاياها ليكون أكلها سهلاً وطيباً.. كل الشكر وكل الحمد لصاحب النِّعم العظيم.
هذه اللوحة كأنها صورة من حقيقة كمن ينظر إلى سطح بحيرةٍ صافية فيرى وجهه.. لكن رغم كل هذه السكينة ثمة مشاعر خوف وقلق ممن قد يفسد هذا الجمال.. فثمة قلوب جشعة تريد كل شيء لنفسها، وثمة قلوب حاقدة لا يدخل إليها النور، وثمة عقول متحجرة قاصرة عن التفكير والتأمل.. كل هؤلاء وغيرهم قد يكونون سبباً في زوال النِّعم وتشويه الجمال وضياع الطمأنينة.
لكن فرشاتي وألواني كفيلتان بحماية الجمال والطيبة والفرح والود في فضاء القلوب العامرة بالمحبة حتى آخر رمق.