هل لديك قنديل ..؟
الأمور بخير، ودائماً لدينا أكثر من طريقة لتجاوز حالات القلق والاكتئاب التي تشبه موج البحر تارة يغرقنا وتارة أخرى يقذفنا إلى الشاطئ..
والحياة مستمرة، وفي لحظات التعب نعود إلى الذاكرة، إلى اللحظات الجميلة الدافئة نوقظها من سباتها ونعيدها إلى واجهة العواطف والمشاعر.. ومهما كانت المزاجية متصحرة لابد من البحث في الذاكرة عن واحات من الجمال والحب والخير الذي يزهر في القلوب فيعيد إليها نبضها.
وهكذا الحال ومع سيل من الدراما المتخمة بالعنف والفساد والخيانة تجد نفسك تتوق إلى واحة ثقافية ترتاح تحت فيئها فتذهب إلى “ضوء القنديل” وإلى فيروزيات الحكايات والقصص الممتعة التي تجعلنا نلتف حولها كأولاد صغار يستمعون إلى قصص الجدة الجميلة.
تدور الأحداث في قرية ريفية وادعة على إيقاع الضوء والظلمة ومكانتهما في حياة الناس التي يصنع أهلها قناديل متميزة يشتريها أهالي الجرد والسهل والمزارع يبددِّون بها عتمة الليل فتطول فترات عملهم وتمتـُّعِهم بالحياة اللذيذة والليالي التي يغيب فيها ضوء القمر.
ورغم الفكرة الرومانسية الجميلة إلا أنها لم تكن محض خيال بل أوحت بها الحياة فـي القرى الجبلية في أواسط القرن الماضي والتي اعتمدت على الشموع والقناديل والفوانيس البسيطة التقليدية لإنارة منازلهم، فإن (الليل والقنديل) نجحت فـي تحميل القنديل وضوئه البـُعد المرتبط بحياة الناس وحبهم للخير والسلامة والطمأنينة والشفافية وللضوء تتزيـَّن تحته سهراتـُهم بالمحبة والحيوية والتفاؤل..
تبدأ الحياة ذات مساء.. وبعد مقدمة موسيقية قصيرة تخرج منتورة (فيروز) من خيمتها لتضيء أحد القناديل المعلقة فـي عمود الخيمة تنكسر بفضـْله العتمة وتنتشر فـي فراغ الساحة أشعة لوَّنتـْها صفائحُ الزجاج الملون التي عشـَّقت جدران القنديل الجميل المتقن، وتغني:
منتورة: ضَــوِّي يــا هالقـــَنـْــديــــل / عَ بــْــيـــوت كـِــلّ النـَّــاس عَ لـَـــيـْـــل كـِــلّ الــــنـــَّـــــاس
وخلف الجبل وفي الطرقات المعتمة يظهر(هـَوْلـُو) كان حـَدثاً ثمَّ تحوَّل إلى حكاية فأصبح مصدر قلق الناس وخوفهم.. وهاهم يشكـِّكون فـي أن يسمح هذا الشخص لأهل الضيعة بإنارة الممر والحد من تحركاته فـي الليل المظلم. ولكن “منتورة” لا تفقد الأمل..
وتعزف الموسيقا على أوتار القلوب والعواطف مابين النور والعتمة ومن جديد تؤكد أنها العنصر الأساس لإخراج النص الملَحـَّن للمشاهدين، سواء كان هذا النص أغنية أم حواراً متعدِّدَ الأشكال.. وما تقدمه الأوركسترا الرحبانية فـي الفواصل بين المقاطع المتتالية ليس مجرَّدَ ملء فراغ يستأنف المغنـِّي بعده المقطع التالي وإنما هو مقطع من الأغنية لا يتجزَّأ عنها وبه تزداد جمالاً وتكتمل..
في مشهد آخر.. يخرج هـَوْلـُو بقلبه الكسير حائراً بين مشاعر الحب لـ”منتورة” التي حمتـْه من غضب أهل ضيعتها وملـَكـَتْ قلبه برقتها وحنانها وعذوبة كلماتها وصوتها، من جهة، وطريقة حياته التي أصبح لها أسيراً فأبعدته عن الناس وعن المشاعر فصار عدوَّه الضوءُ وحليفـَه العتمة ومسكنـَه الكهوفُ..
وتختتم المسرحية برؤية رحبانية عاقلة حكيمة ترى فـي المجتمع وبين الناس ما يجمع بين الأفراد من خيوط على طريق الخير والنور.
وتغلق الستارة وتجد أن الإبداع والجمال قد منحا قلبك وروحك طاقة ايجابية تذهب بالتعب والكآبة وتدفعك إلى النظر بمحبة وود إلى كل من يحيط بك فالأمور بخير والدنيا بخير والحياة بخير ودمتم بألف خير.