تبدو التجاذبات الإقليمية والدولية بين إيران من جهة والترويكا الأوروبية وأمريكا وكيان الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى على أشدها، وتتخذ الاتفاق النووي عنواناً، لكن الأطراف الدولية ترمي إلى ما هو أبعد ويتعلق بالدور الإيراني على الساحة الإقليمية.
وعلى الرغم من التناغم بين السياسات الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية التصعيدية ضد إيران، فإنه يمكن رصد بعض الاختلافات -ظاهرياً فقط-، ففي حين تخلّت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا عن طرح مشروع قرار ينتقد إيران أمام مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خلفية تقليصها التعاون مع الوكالة، وأبدت واشنطن دعمها للقرار الأوروبي، يلوح كيان الاحتلال بالتصعيد العسكري، عبر ما أشار إليه وزير حربه بيني غانتس عن الاستعداد لضرب المنشآت النووية الإيرانية والعمل على نحوٍ مستقل!
في الحقيقة خطوات متناسقة، وربما هي توزيع للأدوار، إذ لا يمكن تصديق وجود اختلاف بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وذلك يعود إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد أن يظهر للمجتمع الدولي تطابق أقواله مع أفعاله، فهو إذ يعلن في استراتيجيته للأمن القومي الابتعاد عن الحلول العسكرية وترجيح الخيارات الدبلوماسية، تتولى “إسرائيل” النيّات المبيتة عبر التصعيد العسكري.
وكذلك الأمر فيما يخصّ الاتفاق النووي مع إيران، فأوروبا تحاول ومن خلفها أمريكا ادّعاء بعض “المرونة” تجاه إيران، لكنها بحاجة إلى ظهير آخر يُصعّد ويهدّد ويحافظ على عامل التوتير، حتى لا تبدو تلك “المرونة” تنازلاً أوروبياً وأمريكياً لإيران، وتالياً انتصار طهران في هذه الجولة.
إن رفع كيان الاحتلال الإسرائيلي مستوى تهديداته، ينطوي على القلق من العودة الأمريكية للاتفاق النووي بما يتماشى مع ما تريده طهران ولا يتماشى مع الرغبات الإسرائيلية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يريد مكاسب انتخابية.
لا يختلف عاقلان على أن التهديدات الإسرائيلية حماقة غير محسوبة العواقب، لأن كيان الاحتلال لم يضع في حساباته التداعيات المترتبة على حماقته.
لقد جاء الرد الإيراني على التهديدات الإسرائيلية واضحاً وصريحاً لوزير الدفاع أمير حاتمي الذي أكد أن طهران أعدت جيداً لهذا وستفاجئ المعتدي إن حاول الإقدام على مغامرته..
النيّات الغربية والأمريكية والإسرائيلية واضحة للجميع، لكن المعطيات الراهنة تقف حائلاً، فواشنطن ستُرضي ربيبتها “إسرائيل” لكن مسار التفاوض مع إيران قد يفرض نفسه، وللمجتمع الدولي دور في هذا على ما يبدو، ما يعني أن واشنطن ستتبع سياسات غامضة ومزدوجة.