تطوّر الإبداع
يمكن الجزم بأن لا تجربة إبداعية يمكن لها أن تتطور وأن يتجاوز صاحبها أو صاحبتها، ما سبق أن تم إنجازه، من دون النقد، وقد يتوهم بعض المبدعين والمبدعات أن النقد هو فقط الذي يقارب تجاربهم، بمعنى النقد التطبيقي الذي يواكبها مع كل ما تنجزه، مهما اختلف الشكل المادي الذي تتجسد عليه هذه التجربة أو تلك، ولذلك تجد تصريحات هؤلاء تتعدد وتتنوع في الهجوم على النقاد وغيابهم عن مواكبة إبداعاتهم، كما تنفي تصريحاتهم فضل النقد على تجاربهم وأنهم هم خير مثال لمبدعين بلا نقاد، ولا يتوانون عن السخرية من النقاد وتقاعسهم، صحيح أن لعمل النقاد دوراً مهماً فيما لو تجلى مواكبة لأنواع الإبداع، وهذا ضروري، ومطلوب، لأكثر من سبب، وفي مقدمة ذلك تقديم جماليات كل عمل إبداعي، من خلال تسليط الضوء على مقوماته الفكرية والفنية، وما هي الخيوط التي نسجت منها تلك المقومات، فذلك ينصف العمل الإبداعي والذين ساهموا فيه، سواء كانوا أفراداً أو جماعة، وفق نوع العمل الإبداعي، لكن النقد الذي يهمله معشر المبدعين هؤلاء، بالثناء، نقصد به، الكتب النظرية من النقد، والمقاربات التطبيقية التي تتناول إبداعات غير عربية، أو من بلد عربي آخر، أو لمبدعين آخرين، فالمبدع في أي مجال اشتغل، وكما بات معروفاً، هو ليس حصيلة موهبته فقط، بل لا بد له من صقلها بالثقافة الأدبية، والفكرية، وهذه الثقافة لا يتحصّل عليها من غير الكتب النقدية، فيها ترتقي تجربته بعد أن يكون قد كسب خبرة نظرية، كيف يجب أن ينوّع بمادة إبداعه، فكرياً ، وفنياً، فإن كان شاعراً على سبيل المثال، لا بد من أن ينوّع بالموضوعات التي يقاربها، أو أن ينوّع بمعالجة الموضوع ذاته إن كرر طرحه، وإلاّ سيظل ما ينتجه يتماثل مع بعضه، فكرياً وفنياً، ونستطيع القول كذلك عن القاص أو المسرحي، إلى آخره, فالغنى الفني والفكري معاً يتأتيان لكل مبدع ومن دون أن يدري من النقد الذي يقرؤه بكل تجلياته، به تتطوّر تجربته وتتجدد، سواء اعترف بالنقد أو لم يعترف.