لولا الليالي!!
أكثر ما يُخيب لدرجة الخذلان في المشهد الثقافي، أن ثمة الكثير من المُبدعين تأكلهم العتمة في ظل التجاهل، لكن إذا ما توفرت لهؤلاء المبدعين الفرصة، أو “ضربة الحظ” وتناول إنجازهم الإبداعي كاتبٌ أجنبي، أو نال جائزة من دولة غربية؛ فيُسرع من تجاهلهم لسنين قاسية، ويُشمّر عن ساقيه ليُكرر الاحتفاء بهم مرة تالية.
وهذا المشهد من الخذلان؛ ليس حالة سورية صرفة، بل هو حالة عربية أماتت في عتمة الإهمال عشرات المواهب وحتى الإنجازات الإبداعية، وعلى اختلاف شتى صنوف الإبداع والمبدعين.
والمشهد الثقافي الحزين هذا ليس جديداً، إذ طالما راكم غُبار النسيان شخصيات وإنجازات إبداعية عشرات القامات الأدبية كانت إنجازاتها على رفوف مكتباتنا أو رقمها الطينية محفوظة في إهمال متاحفنا، ولكن من دون أن يهتم أحد بكل تلك الكنوز، لكن إذا ما كان يتوفر لهذه الشخصيات أو النتاجات الإبداعية؛ مستشرق أو باحث أوروبي، سرعان ما نذهب لعوائدنا بإعادة الاحتفاء بما تمّ الاحتفاء به على منابر الغرب.
ألم يرحل أدونيس مجروح الفؤاد مُيمماً وجهه الشطر الأوروبي منذ سنين بعيدة، أدونيس الذي طالما تمت مُحاربته من مؤسسات، يُفترض إن غايتها وهدفها الدفاع عن الكاتب بدل التنكيل به، أدونيس الذي أذهل الغرب بما قدمه على صعيد الفكر والفلسفة والشعر، واحتفي به في مشارق الدنيا ومغاربها، وحتى وقت قريب كان مُغيباً عن مختلف مناهجنا التعليمية والتربوية. أليس هذا ما فعلته المؤسسة الثقافية المحلية بمبدعين كثر مثل: الفنان التشكيلي عمر حمدي الذي حرق كل إنجازه التشكيلي في ساحةٍ دمشقية قبل أن يهيم على وجهه في متاهات أوروبا، ويموت هناك بعيداً عن احتفاء وطنه به وكما يليق بمبدع تغنت بإنجازه مختلف الدول الأوروبية, ومثل أدونيس وعمر حمدي العشرات الذين أعادَ الغربُ تصديرهم إلينا!
ألم يملأ التراب أنفاس الشعراء السوريين القدامى منذ أكثر من ألف سنة قبل ميلاد السيّد المسيح، أمثال: مليا غروس وبلتيس ولوقيانوس السيمساطي، حيث كنا طول الوقت نُحطم تماثيلهم القديمة بكل ما نحمله من إرثٍ ظلامي، ألم يحرق العرب أهم ما لديهم من سرد روائي، كمدونة ألف ليلة وليلة، وتمت محاكمتها والتنكيل بنصوصها بحجة “خدش الحياء العام” المشروخ بألف سكين وسكين, “ألف ليلة وليلة” أو الليالي العربية التي يعترف كاتبٌ بحجم بورخيس؛ إنه لولا الليالي لما كنتُ كاتباً وأديباً.