ينقسم الناس حالياً بين أولئك الذين وصلت أرواحهم إلى رؤوس «مناخيرهم»، ومجموعة أخرى ما عاد أفرادها قادرين على تحمُّل كلمة إضافية واحدة، وفئة ثالثة ممن يقاتلون ذباب وجوههم، وآخرين باتوا «واقفين على نكشة»، وجميعهم مشتركون بالهمّ الذي يطمرهم من رؤوسهم وحتى أخمص أقدامهم، وبتوترات تسيطر على مفاصل حياتهم، وباكتئابات مزمنة لا تترك مجالاً لهم حتى ليكسروا بصلة على أنوفهم، لاسيما بعد أن أصبح سعر كيلو البصل 850 ليرة.
الموضوع برُمَّته ناجم عن تراكمات، وليس وليد اللحظة الراهنة، من دون أن نُعفي تلك اللحظة من مسؤوليتها في تخريب المُخرَّب، وضعضعة المُتهالِك، و(صهر المتعوسين وخائبي الرجا) معاً في بوتقة واحدة، على نار حامية، لتحقيق استواء أسرع، وليس مثل نيران طبَّاخاتنا الهادئة، لخشيتنا من انتهاء جرّة الغاز التي باتت موسمية لا نراها إلا كل ثلاثة أشهر مرة واحدة.
الكلّ (معصّب)، و«خلاقه ضيقة» كما يُقال، والأنكى أن الجميع معه كامل الحق، فمقوِّمات الراحة الجسدية معدومة، وفسحة الأمل استثمرها أحد أولاد الذَّوات وبات الدخول إليها بالعملة الصعبة أو ما يعادلها، أما الهناء فمن الصعب الوصول إليه، ولاسيما مع الحراسة المُشدَّدة بعدما بات قَطْعاً نادراً، وفيما يخص راحة البال، فالوصول إليها أمر عسير أكثر من المَهالِك التي تعرض لها «عنترة بن شداد» في سبيل إرضاء والد (عبلة).»
والمثير للدهشة أيضاً أن أطفالاً حديثي الولادة، ينزلون من بطون أمهاتهم وهم عابسون، وملامحهم تشي بأنهم خرجوا لتوّهم من “خناقة ماكنة”، مثلهم مثل التلاميذ الغاضبين من أساتذتهم والعكس صحيح، الزوجة التي تلوم زوجها ويبادلها الشيء ذاته، رب العمل الحانق من موظفيه، والموظفون اليائسون من إدارتهم، البائعون النَّاقمون والمُشترون الراضخون غصباً، وغيرهم الكثير الكثير، وكأننا بتنا نعيش، بحيث إننا جميعنا (واقفون على نكشة).