سمّى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، المجموعة الأولى من كبار الموظفين الذين سيشغلون المناصب الرفيعة في إدارته للسنوات الأربع المقبلة.
الملاحظ للوهلة الأولى من هذه التعيينات، وخاصة ما يتعلق بكل من وزير الخارجية الجديد أنطوني بلينكين وجيك سوليفان مستشاري للأمن القومي بالإضافة إلى التعيينات الأخرى، أن الاستمرار بالسياسات الإسرائيلية، والمزيد من الحصار والعقوبات، ولكن بلغة ناعمة، سيكون هو السائد.
وكي لا يغدو الحديث تكهنياً أو ضرباً من التخمين لا بد من الإشارة إلى أنه جرى تقديم الكثير من التحليلات السياسية، والقراءات الاستشرافية المتعلقة بالتحولات الجيوسياسية، والجيوستراتيجية التي سوف تنجم عن انتخاب بايدن.
وتوافر لدى المتابعين للشؤون الدولية الكثير من المعطيات التي هدفت إلى محاولة المساعدة على فهم التحولات الأساسية والعميقة التي يمكنها أن تقع في دول تؤثر أحداثها ووقائعها الداخلية، بشكل لافت، في مسار السياسة العالمية..
لكن كل هذه القراءات وبالرغم من ثرائها وغناها إلا أنها لم تشر إلا لماماً، وبشكل يكاد يكون هامشياً، إلى مسألة “الدولة العميقة”، في أمريكا، ودورها في التأثير في صناعة القرار، وفي توجيه خيارات الرؤساء المنتخبين، الذين لا يملكون في الغالب هامشاً كبيراً يسمح لهم بتنفيذ برامجهم، ووعودهم الانتخابية بكل حرية، بعيداً عن رؤية هذه “الدولة العميقة”.
من هذا يمكن القول إن الإدارات الأمريكية على اختلافها، هي رأس جبل الجليد لهذه “الدولة العميقة،” ولكن يبقى هناك هامش تجميلي مرتبط بسمات شخصية لهذا الرئيس أو ذاك، ولا تأثير له على السياسات الأمريكية.
ويشير مفهوم “الدولة العميقة” الذي تبلور داخل الفضاء السياسي الأمريكي بداية من التسعينيات من القرن الماضي، إلى الهيئات الموجودة داخل الدولة الأمريكية، وإداراتها المختلفة التي تملك فعلياً، وبشكل سري، سلطة اتخاذ القرارات الحاسمة بمعزل عن التحولات الحاصلة على مستوى المؤسسات التمثيلية التي تظهر في الواجهة، مثل الحكومة، والأحزاب السياسية.
وبالتالي فإن “الدولة العميقة” ليست مجرد مفهوم افتراضي يحال إلى الذهنية المهووسة بنظرية المؤامرة، ولكنه مصطلح وظيفي يرمز إلى تلك الأجهزة البيروقراطية الراسخة والمؤثرة في الإدارات العسكرية والأمنية والدبلوماسية في الدول، عندما يتم فهم هذه الحقيقة، نعي أن “الدولة العميقة” هي الأكثر نشاطاً وفاعلية، ومن ثمة الأكثر سرية داخل هرمية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة التي تمثل مصالح “اللوبيات” في مجالات مثل المال، والسلاح، والنفط..إلخ.