ما يشبهُ الهامش
لا بد لمن يحضر نشاطاً ثقافياً من أن يلاحظ الترتيبات الأولية للفعالية المفترضة، وخاصةً حين تكون المادة المقدّمة أدبيةً، والتي عادةً ما تكون لمجموعة من الكتّاب، في مجالي الشعر والقصة، وأما المقصود بتلك الترتيبات فهو الصورة التي تقدم بها تلك المجموعة من الكتّاب، وهي ما يمكن أن نطلق عليه اختيار الترتيب في التقديم، ومن يبدأ أولاً ومن الذي يليه، والتالي ومن يكون ختاماً، القاصّ أم الشاعر؟ ثم أيُختم بنوع القصة، أم بنوع الشعر؟! وهكذا..
وينطبق هذا على الصنف الواحد من النوع الأدبي، أي من الذي يُقدَّم أولاً من الشعراء، ومن الذي يليه، وبمن من الشعراء تُختتم الفعالية الأدبية؟!..
قد تبدو تلك أموراً هامشيةً شكلية لأول وهلة، ولكنها لا تزال تأخذ حيزاً من الاهتمام عند بعضهم لأسباب تتعلّق بشعورٍ – هو على الأغلب غير موضوعي – بأن من يُختم بنصه – على سبيل المثال – هو الأكثر حضوراً وأهميةً وتميّزاً، وهذه عادةٌ لا تحمل أيَّ داعمٍ منطقي، لأنَّ صاحب النص الجميل هو أديب جميل، وهو لهذا السبب الجمالي في تطابق نصه مع رؤيته العملية الواقعية يحمل مصداقيةً وثقةً تجعلانه لا يلقي بالاً لقشور كهذه، بل ما يهمه هو أن يقدم شيئاً جديداً مفيداً بأسلوب راقٍ ذي مصداقية غير متكلَّفة، وليكن بعدها ترتيب تقديمه ما يكون، وهذا يختلف عن تدرُّج الترتيب في تمايز النص الأدبي بين الشعر والقصة، و لعلَّ الشعر يظلم القصة في هذا الجانب لأسباب مختلفة، أهمها أن النصَّ الشعري، إذا ما قُدِّم قبل النص القصصي فإنه يذهب ببريق القصة، لأن الشعر أقرب إلى الذائقة السريعة تقبلاً، موسيقياً ومنبرياً، فالقصة تألف القراءة المتأنية الهادئة على مستراحٍ ما، في البيت أو بعض حافلات النقل الطويل، كالقطار أو الطائرة، أو حتى ذات المسافة الأقل نسبياً، مثل وسائط النقل بين المدن، وأما على المنبر الشعري فتخدم القصةُ الشعر أكثر مما يخدمها، ويبقى الخلطُ بينهما في الأماسي المختلفة عاملاً مساعداً على تجاوز روتين التكرار للجنس الأدبي الواحد، وأما المعيار فهو مصداق الجمال في الجديد والجِدَّة والجودة.