خيرنا لغيرنا ..!
تفاقم الحالة السيئة التي تسود الأسواق أصبح واضحاً للعيان ولا يحتاج إلى مزيد من تشخيص أوجاعه لدى المواطنين.. فارتفاع الأسعار الجنوني مستمر وحالات الاستغلال والغش والتلاعب بالمواصفات والصلاحية سيدة الموقف في ظل عدم نجاعة دور بعض الجهات الرقابية في ضبط (فراعنة العصر) من تجار الأزمة، لكن الأمر الذي بات يزيد من هموم الناس هو أن الأسواق الشعبية في معظمها لم تعد تطرح من السلع وخاصةً الخضر والفواكه سوى الأصناف ذات الجودة الأقل، لأن أجودها يرسل للتوضيب ليلبس أبهى حلله ويذهب للتصدير طمعاً بجني أرباح طائلة على حساب لقمة عيشنا.
وهنا يتساءل عامة الناس: هل يعقل أن يأكل غيرنا أجود ما ننتج زراعياً بينما نحن أهل البلد يترك لنا الاقل جودة ؟ وهل يعقل أن يستمر التصدير لأنواع من الخضر والمواد الأخرى الأساسية فيما تشهد السوق المحلية شحاً في عرضها لعدم وجود فائض لتلك الغاية؟
ما حدث عند بدء موسم جني الثوم والبصل أن السوق المحلية لم تشهد أي عرض كافٍ من أصنافهما المناسبة للمونة بل معظمها كان من تلك التي لا تصلح إلا للاستعمال الآني، وعندما تسأل باعة الجملة -مثلاً- عن ندرة البصل السلموني أو الحوراني المتميز بجوته للمونة تأتيك الإجابة سريعاً بأن التجار سحبوا معظم الإنتاج بهدف التصدير، الأمر الذي ألهب السعر في ذروة الموسم وحرم غالبية الأسر من وضع مؤونة كافية وصالحة لتدوم في فصل الشتاء.
نفس الحالة تكررت مع البندورة والبطاطا ومختلف أنواع الفاكهة وتتكرر الآن مع زيت الزيتون، حيث تجد أصحاب المعاصر بالمرصاد يختطفون معظم الإنتاج وبأسعار باهظة لمصلحة التجار الذين أغواهم التصدير والتهريب لدول الجوار، وهذا يتم بينما أهل البلد من الفقراء بعد تفاقم السعر خمسة أضعاف يتحسرون لعدم مقدرتهم على شراء ولو صفيحة زيت واحدة كمؤونة لإطعام أسرهم.
إن استمرار ما يحدث بعيد كل البعد عن أي منطق فالمواطن الصامد الصابر لا يعقل أن يرى بأم العين إنتاج بلده ومن أفضله يذهب ليتنعم به غيره بينما هو يتحسر من عدم قدرته على أن يتذوقه وأطفاله، ومن هنا فإن الجهات المعنية مطالبة بتطبيق المعايير الصحيحة لترشيد التصدير وضبط عمليات التهريب للمواد الأشد احتياجاً لمعيشة البشر لأن “جحا أولى بلحم ثوره” كما يقال.