لم نعد مطالبين الآن بالبحث عن المعنى المعجمي لمفردة الثقافة، وما تمثله كمفهوم في الكتب البحثية، أو في الميديا الحديثة بشكل عام، إذ إن التمثيل العام لهذه المفردة بات يشمل طريقة حياة أي شعب كان، بما فيها مؤسساته، وأخلاقيته، ومعتقداته، وطقوسه، وبالتالي فإن المعنى العام لهذه (المفردة- المفهوم) بات يسير جنباً إلى جنب مع ” الهوية” لدرجة التماهي معها، ما يجعل من الفصل بينهما في العصر الحديث محكوماً مسبقاً بضياع الأمرين، بمعنى الفقدان الكلي لخصوصية أي شعب، بمعنى آخر خروجه المطلق من المساهمة في التطورات الطارئة على بني البشر الذين يعيشون حاضراً فوق كوكبنا الأزرق، وهذا يعني الموت السريري المعاصر لأي شعب كان، بغض النظر عن تاريخه السابق، فديمومة العملية التاريخية مرتبطة بالاستمرار، وهي بريئة من الأصولية، بمعنى تأصيل الأصل، وما تكتنفه تلك الإشارة من غموض مميت يصل إلى حد النزف الدموي الواقعي في أحيان كثيرة، وخاصة عند إصرار أصحاب هذا النهج على توقف تلك الديمومة عند نقطة ما بعيدة عن حقيقة مسيرتها العالمية المرتبطة بالتطورات والإصرار على الشراكة – المساهمة فيها.
– هل نحن الآن، بكل ما يشير إليه هذا الجمع من تشظي في المعنى المنبثق منه، أمام خطر الاندثار الحضاري- الثقافي؟
الجواب هنا مرتبط بقدرتنا على متابعة الميديا الحديثة التي تنتجها لغة الضاد، بكل تشعباتها الطقسية، السياسية، الاقتصادية، الفنية، الأخلاقية، الاجتماعية، من ثم تفكيكها داخل إطار النقد، لتكون الحقيقة أمام الجميع بوضوح شمس الصيف فوق البقع الرملية الممتدة داخل ثقافتنا من الماء إلى الماء.. وبما أنني من المتابعين لإحدى تلك التشعبات المعرفية، ألا وهو عالم الأدب بالعام، والشعر بالخاص، واعتباره بأنه المعبّر الأقوى عن السر الخفي واليسير، لكل تلك الأنساق الحياتية فوق صفحات هذه الميديا/ المنبرية، الورقية، الالكترونية/، فإني بتّ على يقين بأن الثقافة العربية تجاوزت في انحدارها الأزمة، وهذا الرأي لم يكن من يأس يحدق فينا أينما ولينا وجهنا في الحاضر، وإنما هو قادم من باب الدعوة إلى إعادة النظر بهويتنا الثقافية من وجهة نظر المعاصرة ، لنكون شركاء مساهمين في صياغة مستقبل عالمي تكافلي جديد، بعيد عن المفاهيم التقليدية الوافد منها، والأصيل، والتي تمت صياغة أكثرها على أساسات “ميكافيلية” متعددة في مشاربها التاريخية، وأخيراً صراع الحضارات بصيغته الأحادية، بقصد خدعة السيرورة التاريخية، واستجرار قنواتها نحو استباحة الدماء، لصالح استمرار رأس المال في تحقيق طموحاته ببناء ثقافة عالمية “نيتشوية” مبنية ركائزها على أرقام تستمد خاناتها من القدرة على استرقاق الآخر.