أدب المديح النبوي
تعلقت القلوب بمحبة الحبيب المحبوب الذي أضاء الوجود بأنوار تعاليمه وسلوكه المبني على التسامح والعطف والرحمة ليس فقط مع أتباعه وإنما مع العالمين.. فكان المديح النبوي في الأدب العربي قديمه وحديثه موضوعاً مهماً وعاماً من موضوعات الشعر العربي ، والمديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح الرسول محمد (صل الله عليه وسلم ) بتعداد صفاته الخَلقية والخُلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارته في الأماكن المقدسة التي ترتبط بحياته مع ذكر أعماله وسلوكه وتسامحه وحبه وكل ماقام به في حياته من الأمور المادية والمعنوية والتي تم توثيقها بشكل كامل لا يقبل الشك حيث تم نظم سيرته شعراً والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديراً وتعظيماً ولما لها من أجر وثواب .وأثار روحية ونفسية وأخلاقية في الحياة ورفقة النبي في الجنان وشفاعته يوم القيامة.
ظهر المديح النبوي في المشرق العربي مبكراً مع مولد الرسول واحتفاء جده عبد المطلب بولادته ثم عند هجرته واستقباله في المدينة المنورة .. وأذيع بعد ذلك مع انطلاق الدعوة وشعر الفتوحات إلى أن ارتبط بالشعر الصوفي مع ابن الفارض والشريف الرضي. و هذا المديح النبوي انتعش وازدهر وترك بصماته مع الشعراء المتأخرين ومنهم الشاعر البوصيري في القرن السابع الهجري يقول :
إلى المصطفى أهديت غرّ ثنائي / فيا طيب إهدائي وحسن هدائي
أزاهير روض تجتنى لعطـــارة / وأسلاك در تصـــــطفى لصفاء
ويتسم شعر المديح النبوي بأنه شعر صادق بعيد عن التزلف والتكسب يجمع بين الدلالة الحرفية الحسية والدلالة الصوفية الروحانية. و يركز على سيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه وفضائله النيّرة وقد رافق هذا الشعر مولده وهجرته ودعوته..
وفي العصر الحديث ارتبط هذا الشعر بالمناسبات الدينية وعيد المولد النبوي وقد استطاع بعض الشعراء أن يتفوقوا في شعر المديح النبوي كمحمود سامي البارودي وأحمد شوقي و الشاعر المغربي إسماعيل زويريق في مجموعته الشعرية الطويلة المتسلسلة” على النهج ..
يقول الشاعر سامي البارودي في مدحه وحبه للرسول :
يا صارم اللحظ من أغراك بالمهج / حتى فتكت بها ظلماً بلا حـرج
مازال يخدع نفسي وهي لاهية / حتى أصاب سواد القلب بالدعج
طرف لو أن الظبا كانت كلحظته / يوم الكريهة ما أبقت على الودج
أحبّ الناس السيرة العطرة للنبي في مشارق الأرض ومغاربها (صلى الله عليه وسلم ) وعبَّروا عن حبّهم له بشتى الوسائل ، واتخذوه قدوة حسنة في حياتهم ، قال تعالى : ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ”
( .والشعراء بدورهم عبّروا عن حبّهم له من خلال قصائد اختاروا لها السبك الجيّد ، والكلام العذْب ، وحسن البلاغة ، وصدق العَاطفة ، وفي الأدب الحديث يقول أحمد شوقي أمير الشعراء في ذكرى المولد :
ولد الهدى فالكائنات ضيــــــاء /
و فم الزمــان تبسم وثناء
الروح والملأُ الملائك حولهُ / للدين والدُّنيا بهِ بشراءُ
ويقول في مطلع نهج البردة :
ريمٌ على القاع بين البان والعلم … أحلّ سفك دمي في الأشهر الحُــرُم
رمى القَضاء بعينَيْ جؤذُرٍ أسَدًا … يا ساكن القاع ، أدرك ساكن الأجمِ
ولا يزال مديح النبي يشرق في نفوس من أحبوه نوراً وحلاوة في القلب وظلاً يستظل به من تعب من ضغوط الحياة .