خمسٌ وثلاثون رسالة .. وجوابها
أعترفُ لكم بأنني شعرت بالغيرة من الأديبة “غادة اليوسف” صاحبة “أنين القاع” و”وحدك الآن”، تخيلتها مراراً تتلقى رسائل الناقد الراحل “يوسف سامي اليوسف”، يزورها ساعي البريد، وفي يده “مكتوب” أو ربما كانت تتفقد صندوق بريدها في مكان ما، في النهاية كانت تتلقى كلمات كُتِبت لها خصيصاً، أفكار صاغها اليوسف، آراء وأوجاع وهموم بثها لها دون غيرها، صديقةً وأديبةً وإنسانة.
لاحقاً أيضاً استبد بي الشعور ذاته، حين نقلت الأديبة مجموعة الرسائل المتداولة بينهما “35 رسالة وجوابها” إلى دفتي كتاب عنوانه “سدنة الاغتراب”، غير مبالية بما يمكن أن تكون عليه ردّات فعل القرّاء والأصدقاء من أدباء وصحفيين وغيرهم، إذ إنّ الحوارات بينهما عن “الدين، الحياة، الموت، المرض، الحرب” فيها من الصدق والمباشرة الكثير، ومن ضمنها رأي الناقد بما تكتبه الأديبة من شعر، واللافت أنّ هذه التلقائية ليست بين “متحابين” كما درجت عليه العادة في أدبنا العربي عموماً، بل هي حقيقة بين صديقين، جمعتهما عوالم الأدب والثقافة.
تقول غادة في مقدمة الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2016، إن كاتب “تلك الأيام”، أوصاها بالاحتفاظ برسائله التي بدأت عام 2006 وانقطعت بتاريخ 2011 مع بدء الأحداث في سورية، وأبدى رغبته في أن تُجمع ذات يوم في كتاب حتى لا يُغيّبها غبار الإهمال، وتتساءل الأديبة “لماذا تُجمع هذه الرسائل في كتاب، وما قيمة هذه الرسائل المتبادلة بين من التقيا منذ سنين لمرّات قليلة، ثم نأى بهما المكان والزمان، امرأة سوريّة تُقيم في حمص ورجل فلسطيني كان يُقيم في دمشق، وقد رحل تاركاً خلفه آثاره النفيسة في الفكر والأدب والفن والفلسفة والنقد الأدبي؟”، لكنها تترك الجواب لما تكتنزه الرسائل من قيم، ولما فيها من مكابدات عايشها الناقد اليوسف في سنوات عمره الأخيرة، بين المرض والحنين والحسرة التي ما فارقته منذ خروجه طفلاً مشرداً عن بلدته “لوبيا” الفلسطينية إلى لحظة وفاته مشرّداً عن مخيم اليرموك عام 2013 .
في الرسائل المتبادلة بينهما، تظهر حاجة كلٍّ منا إلى صديق، يُسرّ إليه بما لا يجرؤ أحياناً على الاعتراف به لنفسه، صديقٌ لا يعنيه تقييم الآخر أو التوقف عند مواقفه المجتمعية والسياسية، بقدر ما يمكن له أن يسمع ويتأثر ويهتم، لهذا يستحق “سدنة الاغتراب” الطباعة والقراءة، وعدّه إضافة إلى ما كتبه الناقد والأديبة خلال مشوارهما.