مقابلة القارئ
يقول أبيقور لأحد زملائه: إنني لا أكتب هذا لأعين الكثيرين، بل لعينيك وحدهما، لأن كل منا جمهور كاف للآخر”.
لا تستخدم مفردة “القارئ على سبيل الإطلاق، كما هو الحال بيننا فتطلق هذه المفردة على الجميع من الذي محى أميته حديثا وصولا إلى الكاتب المبدع!.
والحقيقة أنه يجب تخصيص هذه المفردة لا إطلاقها.
عرفت اللغة العربية التخصيص والإطلاق على امتداد الزمن، كمفردة الحج التي كانت تطلق على أي قصد إلى معظّم، ثم خصصت “للقبلتين” فقط، وكذلك مفردة النبي انتقلت من الإطلاق العام على من برز وظهر من قومه، ثم جرى تخصيصها، ومفردة الفضل انتقلت من التخصيص الذي كانت تعنيه إلى الإطلاق الذي أصبحت تشمله للدلالة على أي فعل للخير، فاللغة الحية تتفاعل مع الناطقين بها.
مفردة “القارئ” في باقي اللغات الحية لها أحد معنيين، إما القارئ الذي في الذهن، أو الناقد، الأول هو القارئ الذي يكتب له الكاتب سواء كان شخصا أو حالة، فيكتب له وكأنه يخاطبه هو تحديدا، لا أحد غيره، لذلك يجب أن لا نستغرب لوم الأصدقاء لبعضهم أو خيباتهم دون إظهار اللوم لبعضهم الذين تجاوزوا ما كتبوه على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم علمهم المسبق بوجود آلاف القراء على تلك المواقع، ولكن تكمن حقيقة هذا اللوم بسبب أنهم كتبوا لهذا القارئ تحديدا، فإن تجاوزوا هذا القارئ، يبدو النص وكأنه لم يُكتب!.
المقصد الثاني لمفردة “القارئ” هو ما اتضح من تسميته بالناقد، وهو القارئ الذي تعتمده شركات الإنتاج الفني أو دور النشر أو لجان المسابقات، وهو من يحدد جودة النص المقدم، وأنه يستحق النشر أو الإنتاج.
ما زال الكتّاب يستخدمون هذه المفردة استخداما مزدوجا، فهم عندما يكتبون، تكون المفردة على سبيل التخصيص، وعندما يتحدثون عن القارئ يستخدمونها على سبيل الإطلاق، وهم إن لم يكونوا أصحاب مشاريع في الكتابة يريدون الإثنين معا، وربما لأجل ذلك تم تصنيف الكتّاب بين كاتب شعبوي وآخر نخبوي، وربما وقع التصنيف من قبل القارئ غير المقصود، لا من قبل القارئ المقصود في النص الذي هو في الذهن..