طريق النص التلفزيوني إلى الإنتاج (6)
خلصنا في الأسبوع الفائت إلى أنه ليس أفضل من شبكة الشخصيات الدرامية للمقارنة والتطوير وتفصيل شخصيتنا الرئيسية/ بطل الحكاية، أما كيف تتطور هذه الشخصية عملياً، فلابد للقصة هنا أن نتتبع البطل في مسارين، خارجي وداخلي، وهو ما يقابلهما، حسب استشاري القصة الأول في هوليوود (John Truby) في كتابه (The Anatomy of Story: 22 Steps to Becoming a Master Storytelle) الرغبة والحاجة، فـرغبة بطل القصة كما يعرفها (Truby) هي «الهدف الخارجي الملموس الذي لديه طوال فترة القصة»، أما حاجة البطل فهي «الحاجة للتغلب على عيب الشخصية (نقطة ضعف) من أجل تحقيق رغبته»، على أن «الرغبة لا يمكن أن تتحقق ما لم يتم التغلب على ضعف البطل».
وفق هذه الرؤية يمكننا القول إن بطل القصة يحتاج أن يتغلب على العقبات الخارجية وعيوبه الداخلية من أجل أن يحقق هدفه، والمسار الذي تسلكه الشخصية وصولاً إلى هدفها هو ما نسميه بـ«قوس الشخصية»، وعبر هذا المسار نعرف كيف نمت الشخصية، وكيف تغيرت على مدار القصة، وتغيرت نظرتها للعالم وهي تواجه التحديات التي تعوق تحقيق أهدافها. وهنا لابد أن نميز بين قوس إيجابي وآخر سلبي لنمو الشخصية، أي كيف تتحول شخصيتنا في النهاية، هل تصير شخصاً أفضل أم تنحدر نحو الأسوأ؟!
هنا قوس الشخصية يلعب الدور ذاته الذي تلعبه شبكة الشخصيات في نمو الشخصية وتحسينها، وهو مقياسنا أيضاً للحكم على جودة شخصياتنا وقدرة قصصها على إثارة الاهتمام، فعبره سنتلمس كيف تتغير شخصيتنا، وسبق وقلنا إن الشخصية التي لا تتغير هي شخصية ميتة بالمعنى الدرامي، وبالتالي فإن أفضل الشخصيات الدرامية هي التي تكون حالها في نهاية قوسها على نحو مخالف لحالها في بدايتها.. هذا ما يجعلها شخصيات حقيقية من لحم ودم، ويساعدها في تحقيق استجابة عاطفية من الجمهور، فالحياة تغيرنا والتجارب تصقلنا، وتعيد تشكيل اتجاهاتنا الفكرية، وتعيد كذلك بناء قناعاتنا أو تهدمها، ومن منّا لم تغيره الأيام..؟!
هكذا هي شخصياتنا الدرامية الحيّة والفاعلة.. تتغير أيضاً.
ووفقاً لنظامنا الحياتي نفسه، لا يمكن لشخصية درامية أن تتغير فجأة، المشاهدون لا يميلون لتصديق الشخصيات التي تتغير على هذا النحو السريع، إذ لابد للشخصية أن تمر في نقاط تحول تجعلها تتغير تدريجياً، تلك النقاط عادةً ما تحدث عندما تظهر فجوة في مسار الشخصية بين ما تتوقعه والنتيجة الفعلية، وتجبر شخصيتنا على تغيير أو تحديث خطتها على طول الطريق، وصولاً إلى نقطة التحول الرئيسية، حيث تبلغ لحظة (الوحي الذاتي)- كما يسميها (John Truby)، وهي اللحظة التي تسبق التغيير النهائي، حين تدرك شخصيتنا/ البطل الخطأ الأساسي في مسارها، وتتخذ إجراءات جديدة لتصحيحه، وبالتالي التغلب على العقبات التي تحول بينها وبين تحقيق رغبتها/هدفها.
باختصار: عزيزي كاتب الدراما، تولد شخصيتك المثيرة للاهتمام والقابلة للحياة على مدار القصة من تحديد ثلاث نقاط أساسية، هي: رغبة البطل، وحاجته التي يحتاج تجاوزها لبلوغ رغبته، إضافة إلى لحظة الوحي الذاتي التي يحتاجها في نهاية المطاف لتصحيح أخطائه بشكل نهائي وتحقيق التوازن المطلوب لاتخاذ القرار الأخلاقي الذي يؤكد أنه بات على السكة الصحيحة لبلوغ غايته.
وللحديث بقية.