منفعة مزدوجة
مازالت رائحة الحرائق تزكم الأنوف وآثارها المدمرة على الغابات و الأراضي الزراعية.. وأشجار الزيتون والحمضيات المحروقة تعصر القلوب ألماً وحزناً على تلك الثروات الحراجية الهائلة.. والمناطق الخضراء الرائعة والجميلة والتي لا تقدر بأي ثمن ضاعت من بين أيدينا بسبب الإهمال والتقصير، وتتحمل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة والجهات المعنية، فالآليات والتجهيزات ومنظومات الإطفاء مازالت تعمل على ” الدقة القديمة” ولا ترقى إلى مستوى الثروة الحراجية والطبيعية النادرة التي تمتلكها سورية لمحمياتها والحفاظ عليها، والتي تحتاج إلى منظومات إطفاء متطورة ومنها الطيران الحديث المستخدم في الإطفاء وخاصة للمناطق الوعرة والمرتفعة، وكذلك لأنظمة مراقبة وإنذار مبكر إلكترونية، فمهما كانت تكلفتها فهي لا تساوي شيئاً أمام فظاعة الخسائر الكبيرة التي فقدناها.
إن الوضع المتفاقم الذي وصلت إليه المناطق المحروقة وسكانها لا يحتمل التأجيل ولا يمكنه انتظار “دويخة” لجان تقدير الأضرار واجتماعاتها الروتينية وقراراتها البطيئة، فهناك آلاف الهكتارات وملايين الأشجار المحروقة وكذلك عشرات الآلاف من العائلات المتضررة.. ممن احترقت منازلها بما تحتويه من أثاث، وممن فقد كل ممتلكاتها ومورد رزقها وباتت ” ع الحديدة” وبالتالي هؤلاء بأمس الحاجة لمساعدتهم وتعويضهم بمبالغ قيمة عن الخسائر الفادحة التي تكبدوها تمكنهم من إعادة الوقوف على أرجلهم لإعادة تأهيل منازلهم وأراضيهم بما يكفل عودة الإنتاج وتثبيت الناس في أراضيهم ..
الآن نحن أحوج ما نكون لتكثيف جهود الجميع من مؤسسات الدولة والجمعيات الأهلية والروابط الفلاحية والوحدات الإرشادية والتي تمتلك فريقاً كبيراً من العاطلين عن العمل الذين جاء دورهم الآن ليثبتوا جدارتهم في إعادة الحياة لتلك لمناطق المحروقة.
وبما أن الحديث يتم عن إعادة تشجير المناطق الزراعية والحراجية نأمل من وزارة الزراعة أن تستثمر الفرصة وتعيد تقسيم المناطق المحروقة إلى زونات محددة بطرق النار التي تسهل وصول معدات الإطفاء إليها، إضافة إلى زراعة المناطق الحراجية بأشجار حراجية مثمرة، بحيث تصبح المنفعة مزدوجة كأشجار البلوط والكستناء والبندق وغيرها إضافة لأشجار مقاومة للحرائق كالخرنوب وأشجار الغار وغيرها من النباتات المثمرة المناسبة للمناطق الجبلية، وبالتالي يمكن للأهالي المجاورين لتلك الغابات الاستفادة منها ويكون لهم مصلحة في السهر على حمايتها وصونها كما يمكن أن تساهم في رفع الاقتصاد الوطني، وتحقق بذلك وظيفتين إنتاجية وجمالية.