نحن أمام تغيرات كبيرة على صعيد الاقتصاد العالمي، تبدلات مفاجأة على صعيد الثقافة الاجتماعية المحلية والإقليمية، والعالمية، مدعومة بمحركات نفاثة من الميديا الدافعة بالسرعة القصوى لقطار الزمن المؤدلج صفيره بوقود مجهول الهوية، وغير معني بقرار المحطة التي سوف يصل إليها هذا القطار، كما أن هذا القطار هو أيضاً، غير معني بما يحتويه فراغ عرباته من بضائع، ولا يكن أي اهتمام لأمزجة ركاب الدرجة الثانية، أو لهوياتهم الشخصية، كل ما يعنيه هو تذاكر الركوب المسبقة الدفع، والسهر على راحة ركاب الدرجة الأولى المفخخة عرباتهم المخملية بالوهم: هكذا يبدو عالم اليوم، وما من أحد يسأل عن خط سير القطار، الجميع منشغل بحسب -موقع عربته- بالإصغاء إلى صرير العجلات العجولة.
ركاب الدرجة الأولى تطربهم زغاريد جوقة العجلات، وهي تزف الحديد إلى الحديد، ففي التزاوج مع السكة تكمن استدامة النسل إلى أبد الآبدين.. ركاب الدرجة الثانية تصلهم أصوات الجوقة من ثقب ناي يشير بكل طموحه إلى مصير من حل ضيفاً مقيتاً على برامج الأسئلة التي تطالب بتحديد المحطة التي سيصلون إليها.. ركاب الدرجة الثانية، كما الناي، يشبه ذاته عندما يخاطب القطيع، وتبكيه أشجار الغابات عندما يتحول إلى شجن يخاطب الليل.. ركاب الدرجة الثانية مطالبون بحمل العربات فوق ظهورهم إلى حين يتوقف الصرير عن بث برامجه الأسبوعية، فهم يمقتون المليون، ولكن لا بد من السفر إليه براً : هكذا يبدأ المشهد برسم ذاته بطريقة كاريكاتيرية يمجد إشاراتها ركاب الدرجة الأولى
مَن سيربح المليون ؟
تشير توقعات الأبراج المالية القادمة إلى أن القطار لا بد من أن يتوقف يوماً، كونه غير مستثنى من طموح المحطات، لكن ركاب الدرجة الأولى لا تعنيهم هذه الميديا الهشة، كما يحلو لهم وصفها، فالخرائط الخاضعة على الدوام لتوجيه الميديا المعاصرة بحسبما يرتؤون، هي ما سوف تحدد دائماً خط سير القطار، متجاهلين بأن الجواب الشافي سوف يكون بجعبة من يربح المليون، لكن المليون بحد ذاته مازال مرهوناً بحيرة انتمائه، فقد يجنس على شكل أفكار جديدة، وقد يجنس على شكل وجوه طموحات، وربما دموع ركاب الدرجة الثانية، وقد يبقى رقماً مالياً بجيوب ركاب الدرجة الأولى .. وحده الطارئ سيحدد جنس المليون.