نهاد قلعي.. يغيب مجدداً
قبل خمس سنوات، فعلت المصادفة فعلها، حين عثر المخرج مصطفى البرقاوي، على صورة لأبطال مسلسل (صح النوم) باستثناء الراحل نهاد قلعي( 1928-1993)، ولأن غياب الرجل يومها لم يكن مفهوماً، قرر برقاوي العمل على فيلم وثائقي يبحث في مشوار الراحل تحت عنوان «إذا أردنا أن نعرف.. نهاد قلعي»، جاء عرضه الأول في ذكرى رحيله (17 تشرين الأول) عام 2015، وهي المناسبة التي مرّت منذ أيام، دون أن يلتفت إليها أحد.
كان قلعي المعروف بـ “حسني البورظان” وهي الشخصية التي أداها إلى جانب الفنان دريد لحام في دور “غوار الطوشة”، جزءاً من الحياة الثقافية والفنية في مدينة دمشق، وضع خطوطاً سارت عليها الدراما والكوميديا، وكان له دور في نشر الهوية السورية، فقبل أعمال «دريد ونهاد» لم تكن اللهجة السورية أو الشامية معروفة في كثير من الدول العربية.
كتب قلعي مسلسلات كثيرة أشهرها (صح النوم)، (حمام الهنا)، (مقالب غوار)، (مغامرات كارلو)، كما أسّس المسرح القومي وكان مديراً له عدة سنوات، أخرج خلالها عدة مسرحيات منها (المزيفون) عن نص لمحمود تيمور، ومسرحية (ثمن الحرية) عن نص لعاموئيل روبلس، ولا ننسى المسرحيتين الشهيرتين “غربة” و”ضيعة تشرين”، وله أيضاً تجربة سينمائية تتجاوز 30 فيلماً.
تميزت أعمال قلعي، بتجاوزها «للملل»، إذ إن الملايين من الأسر استمتعت ولا تزال تستمتع بمشاهدتها كلما أُعيد عرضها، تعلّق ابنتُه «مها» في الفيلم: كل ما قدمه كان صادقاً، من الشام وإليها، ترك بصمة دفعت الناس لتذكره والترحم عليه بعد مرور سنوات على رحيله، ويلفتني أن أجد من أبناء هذا الجيل من يحبه ويتابع أعماله، وحين يتساءل البعض أحياناً: لماذا خفّ وهجُ عدد من الممثلين الذين عاصروه؟، أقول «لقد مات خيّاطُهم»، لقد كتب لكل ممثل ما يناسبه، لتبدو الشخصية التي يؤديها جزءاً من حقيقته، حتى إن الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي قال له يوماً (عملت سنوات طويلة، لكن الجمهور لا يذكر إلا أبو كلبشة، لقد رسمت لي ما لم يرسمه غيرُك).
للأسف يغيب “نهاد قلعي” مجدداً، رغم الضحكات التي تعلو، حين نراه يُطالب بشيء من الهدوء حتى يكتب ويؤلف، في الموسيقا والتاريخ والجغرافيا، وهو الذي خلّد أسماء كبيرة من الفنانين، وكتب لنا حتى نضحك، ثم ببساطة نسيناه!.