لعبة الثقة
تنتشر لعبة الثقة على سبيل التسلية، بأن يقف اللاعب على طرف ارتفاع غير كبير «طاولة مثلاً»، مديراً ظهره لأصحابه، ثم يترك لجسده أن يسقط سقوطاً حراً، فيتلقاه أصحابه قبل وقوعه، على أن قلة الارتفاع أو زيادته، لا علاقة لها بزيادة القصة وقلتها، بل بالقدرة على الالتقاط، والسرعة، والتسارع، كحالة فيزيائية.
على أن البشر هم تسلية البشر الدائمة، والمفضلة، لذلك لا تنتهي ألعابهم، مهما بدلوا تسمياتها، فهناك ألعاب للصبر والاحتمال، وألعاب للكشف عن الماضي، والغاية، والمصلحة، والثقة كما في المثال السابق وإن كان المثال ورد على سبيل التسلية، فإن ألعاب الثقة لها أشكال عديدة، وربما لا تخلو علاقة من هذه اللعبة، ولأن العلاقات ليست ثنائية فقط، لذلك نجد المُختَبر في علاقة، مُختبِراً في علاقة ثانية!.
للعبة الثقة تفسيرات عديدة من دون أن يكون لها أي مسوغ، إلا أن أكثر التفاسير التي نحاول تغليفها بعدة أقنعة هي وهم القوة الذي صدقناه، ولأننا مستمرون بادعاء القوة، وأننا الأفضل، والأقوى، من دون أن نحسب حساباً، أن الضعف هو حالة منطقية إن لم نقل إنها حالة طبيعية، ولذلك عندما يلح الضعف ولا بد من ظهوره، فلا مهرب من إظهاره ليس أمام من نحب، بل أمام من نثق به!، وحتى نثق به لا بد من اختباره باختبارات عديدة من دون أن نكتفي باختبار واحد مثلاً، ثم نثق الثقة التي وسمت بـ”العمياء”، وربما كان هذا الوسم سبباً من أسباب استمرارية اللعبة، التي لا بد من أن تتجدد، حتى تصل إلى الملهاة!.
لذلك ربما تبدو كل العبارات التسليمية، التي تنطق بها أفواهنا أنها قيلت لتعطي انطباعاً بأننا نسلم أمرنا لقوة عليا تتدبر أمورنا ونثق بها، قوة كونية، أو ما وارئية، إلا أن هذا الانطباع سرعان ما يزول عندما نتعرض لتجربة، تختلف قساوتها، باختلاف عتبة الألم عند من يخضع للتجربة، وسرعان ما تختفي العبارات التسليمية سابقة الذكر، لتدل فيما تدل أنها عبارات عَرضية، لا تحمل من الرسوخ ما يكفي ليكون المجرب أكثر ثقة بتلك القوة، عندها يسقط اللاعب في اللعبة حتى لو التقطته أيدي بقية اللاعبين!.