«الكوشان»

كنا صغاراً عندما كان شخص غريب يجول في أراضي القرية بعد موسم الحصاد .. ( الكوشان ) كان مهيوباً, فهو حامي القانون والحريص على تنفيذه.. في تلك الأيام لم تكن قريتنا ولا القرى المجاورة قد عرفت السدود أو قنوات الري .. ولا حتى الآبار الارتوازية ومشاريع الشرب , كانت القرية تؤمن مياه الشرب من بئرين جنوبية وشمالية .. أما الأغنام والبهائم فقد كانت تسقى من مياه الأنهار .. كان لهذا الشخص مهمة واحدة حسبما كان ينقله لنا الكبار .. كان اسمه أو صفته أو مهمته ( الكوشان ).. هكذا كان يدعى .. أما وظيفته فكانت مطابقة أعداد الأغنام الموجودة في الحقول مع الدفاتر التي يحملها .. جداول بأسماء مربي الأغنام وأعداد قطعانهم .. فإذا كان هناك نقص ما فكان يكتب ضبطاً ويحرره أمام صاحب القطيع .. كان يخشاه كل الرعاة .. بمن فيهم رعاة الأغنام من البدو الرحل الذين كانوا يقيمون مضاربهم في قريتنا والقرى المجاورة لتوفر الغذاء والمياه من الأنهار .. وبحكم أن منطقتنا سهلية وحدودية في الوقت نفسه, فقد كان «الكوشان» يكثر من المرور فيها على شاكلة ( كبسات ) شبه يومية وفي أوقات تمتد من الصباح حتى المساء وفي«طقة» الشمس ..
لم نكن نعرف تبعيته الوظيفية لكن فيما بعد علمنا أنه يتبع للجمارك التي كانت ترسل فرسانها الى القرية بعد كل (فسدية) للكوشان لأن الجمارك في تلك الأيام كانت تمتلك الخيول وليس سيارات الدفع الرباعي المكتوب على جانبيها (الجمارك في خدمة الاقتصاد ), ولا مفارز ولا معابر غير شرعية .. لم تكن الجمارك يومها تتهاون في قمع تهريب الأغنام, ولا أي نوع من المواشي لأن «الكوشان» لاحقاً صار يرقّم الأبقار ويضع لكل بقرة بطاقة..
لم يكن لديها ( وشّاشون ) ينقلون لها الأخبار بالأجرة وأغلبيتها كيدية .. فقط كان «الكوشان» يحمل دفتراً سميكاً من الجلد ومشبوكاً بطريقة يصعب انتشال ورقة منه من دون أن تترك أثراً , هو عين الاقتصاد وسمعها وسمعتها .. أعيدوا «الكوشان» وخذوا سياراتكم .. وستجدون كيف يصبح التهريب حلماً حتى على أصحاب المعابر؟ ..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار