طريق النص التلفزيوني إلى الإنتاج (5)
تحدثنا في الأسابيع الفائتة عن أهمية تغيّر الشخصيات الرئيسة وقدرتها على تناسل شخصيات ثانوية لها حبكاتها الفرعية التي تكرر مقولتها، أو تؤكد فكرتها في سياق مختلف أو تقدم نقيضها، وهذه الشخصيات تشكل فيما بينها ما يسميه( John Truby) في كتابة (The Anatomy of Story)بـ (شبكة الشخصيات).
كتّاب الدراما، ولاسيما الجدد منهم، يحتاجون اعتماد (شبكة الشخصيات) كأداة رئيسة لكتابة سيناريو مسلسلهم، إنها وسيلتهم المثلى لفهم شخصياتهم الرئيسة، وفهم الشخصيات المعارضة لها (خصومها وحلفاؤها) وبالتالي إدارة الصراع بينها بالشكل الأمثل، فضلاً عن تقدير مدى تفهم الجمهور لسلوك البطل وخياراته.
لنتخيل شبكة الشخصيات بشكل مستطيل، على أحد رؤوسه تجد شخصيتنا الرئيسة، وفي الرؤوس الأخرى تتوزع شخصيات تعارض شخصيتنا الرئيسة في نهجها الحياتي، وكل شخصية منها تختلف عن الشخصيات الأخرى، من بين هذه الشخصيات سيكون الخصم الرئيسي لبطل حكايتنا، ولكل من هذه الشخصيات قيمها، التي ستكون بمثابة جملة المقارنة التي تحكم قيم بطلنا الرئيسي وتوجهاته، وفي تعارضها ما يكشف كل الجوانب المتعلقة بالسؤال الأخلاقي للقصة، إنه السؤال الذي سيجعل الجمهور منجذباً مشاركاً في القصة/ يجعل قراء النصوص مندفعين لتبني فكرة إنتاج العمل.
الفهم الحياتي الأقرب للدور الذي تؤديه شبكة الشخصيات، هو النسبية، نحن ندرك، كبشر قيمة الشيء بنقيضه، وفي المثل الشعبي نقول: «ما تعرف خيره إلا لما تجرب غيره»…وهذا ما تفعله شبكات الشخصيات، إنها تتيح لك على نحو مسبق تقدير قيمة شخصيتك بتجريب سواها، بالتالي نحن نفهم قيمة شخصيتنا وعوالمها وعيوبها وأسلوبها الحياتي، وما تعتقده، وجودة أو سوء خياراتها وغيرها…من خلال رؤية كل ذلك بالمقارنة بشيء آخر…ومن هنا تنبع أهمية أن تكون الشخصيات المتوافرة على رؤوس المستطيل مختلفة عن بعضها، فنحن بذلك نختبر قيم بطلنا من وجهات نظر مختلفة.
لننتبه هنا إلى أن وظيفة هذه المقارنة الأساسية لن تكون باصطفاء ما يجعل شخصيتنا الرئيسة شديدة النقاء، بالمعنى الأخلاقي، وإنما في قيادة هذه الشخصية وإدارة عملية تغيرها بالشكل الذي يجعلها محط اهتمام الجمهور، كما تجدر الإشارة إلى أن اختيار شخصيات تعارض شخصيتنا الرئيسة في نهجها الحياتي، لتكون على رؤوس مستطيل شبكة الشخصيات، لا يعني أننا نضعه في مواجهة خصومه وحسب، وإنما ربما يكون بينها شخصيات متوافقة معه، ولكن تعارض نهجه الحياتي، وهو شكل العلاقة الذي سينتج فيما بعد ما نسميه (صراع المتوافقين).. ونتحدث عنه لاحقاً.
باختصار: عزيزي كاتب الدراما؛ لا تولد الشخصيات الرئيسة في عملك دفعة واحدة، وإنما لابد من أن تقوم بتشكيلها على عدة مراحل، بشكل يشابه إلى حد كبير رسام «البورتريه»، والذي عادة ما يرسم نماذج مصغرة عن عمله، ويقوم بتطويرها بالمقارنة بين نموذج وآخر وصولاً إلى الشكل الذي يراه مثالياً…وليس لدينا في الدراما أفضل من شبكة الشخصيات للمقارنة والتطوير وتفصيل شخصيتنا الرئيسة، وصولاً إلى الشكل المطلوب، مع العلم أن من الحكايات الدرامية ما يقتضي أن تكون شبكة الشخصيات هذه، هي شبكة لمجتمعات أو لأسر أو لمعتقدات.
وللحديث بقية.