الآن. الآن عرفتُ بالضبط لماذا يصرُّ بعضُ المعنيين على تعذيبنا واختراع الأزمات واحدةً تلو الأخرى، فأمامي كتابٌ نادرٌ عنوانه “علم نفس السعادة” لمؤلفه “ميهالي سيكيزنتيميهالي” (الاسم حقيقي والله العظيم وهو لوحده كفيلٌ بتحقيق شيء من سعادة عابرة على شكل ضحكة) يقول فيه: “إن شخصاً غنيّاً وقويّاً ومعافى قلّما يكون لديه الحظّ في وعي نفسه من الداخل، في حين أنّ شخصاً فقيراً ومريضاً ومقموعاً لديه حظٌّ أوفر في طريقة فهم وتفسير الحياة وبالتالي في السيطرة على نفسه ووعي نفسه وهذا ما يُسمّى بالتجربة المثالية في فهم الكون”. أي نعم! عرفتم كيف؟
وهكذا وبالتكامل مع ما تقوله الأسطورة من أنّ “الإهانات والشقاء ولحظات النحس هي الطعام العتيق للأبطال” ولأنّ علم النفس الاجتماعي يُجري اختبارات على شرائح معينة ومحددة من المجتمع بهدف تحسين نوعية حياة مواطنيها…
وبسبب كل ذلك ومن وحيه طُبِّقتْ علينا عشراتُ التجارب في محاولة من المعنيين جعلنا سعداء “بالكيلو” أو سُعداء “مشايلة” أو سعداء “بالمفرّق” على هذا الكوكب الفاني لكنْ لم تنفع معنا لا الخطط الخمسية، ولا “اقتصاد السوق الحر”، ولا النظرية الاشتراكية في توزيع الثروات الوطنية، ولا نظرية “حارة كل مين إيدو إلو”، بل لم ينفعنا “أنْ نعلم ماذا في البرازيل لمعرفة ماذا لدينا هنا في إيطاليا” على حدّ قول الراحل نهاد قلعي بلسان حسني البورظان -وقد مرّت ذكرى رحيله منذ يومين فقط- وهكذا حتى لتكادُ الحلول الأرضية في جعلنا أسعد مخلوقات الكوكب تنفد ولم يبقَ لنا إلا حلول السماء.
بل يكاد مخزون المعنيين من الأزمات ينتهي ولم نتعلّم بعد كيف نصل إلى مرحلة الوعي بأنفسنا من الداخل فنبتسم كالجبابرة ونقهقه كأبطال الخرافات المنتصرين في وجه القهر و”التعتير” وقلة الحيلة وقِصر الفتيلة… فعلاً إننا شعب عنيد “ما مننعطى وجه” والعياذ بالله!