الأنثى والحصان!
منذ أن تحدث الناقد الأدبي حنا عبود في إحدى محاضراته عن دور الحصان الذي استطاع الذكَر تدجينه، في إنهاء دور المجتمع الأمومي، وأنا أستغرب إن شاهدت فنانة تشكيلية ترسم حصاناً في لوحتها، كما تبدّى لي الآن استغراب آخر يتجسد في حلم أي أنثى برجل يأخذها على حصان أبيض!
هذه المروية الشفوية التي لم أبحث عن مصدرها والتي أستبعد أن تكون من خيال الأنثى. وإن كان لي أن أستذكر من محاضرة الناقد حنا، التي مضى عليها أكثر من 15 عاماً، أن الكون هو وفق كل الميثولوجيا العالمية قد خُلِق من الأم الأولى أي الأرض، وأن المرأة كانت تقوم بكل أعمال الزراعة قبل دخول الحراثة، كما هي الحال حتى يومنا هذا في المجتمعات القروية غير المتطورة، في حين كان الرجل يقوم ببقية أعمال المنزل.
أمّا ما الذي أنهى عهد التأله للأنثى- أو الربّة الأم، لتدخل في عهد العبودية بعد بدء المجتمع الذكوري؛ فهو الحصان، الذي استطاع الذكر تحويله من أداة جر ونقل إلى أداة حرب. وهذا يعني نهوض الملكية وبدء دوره في عملية الإنتاج، والحصان – في رأي عبود- لم يجلب للذكر السيادة على الأنثى فقط، وإنما أنشأ له فيما بعد، كأداة للغزو، الإمبراطوريات الواسعة.
وأذكر أن عبود قد استخلص أن في تاريخ البشرية مسارين: مسار مادي هو اضطهاد المرأة، ومسار أدبي المرأة فيه مقدّسة. وكان الناقد عبود قد عمّق الحديث حول الحصان كـ«بطل حضاري» وفق توصيفه، في كتابه «البلاغة من الابتهال إلى العولمة»، فالحصان أتى بعد الحمار الذي جاء بعد الثور، كأبطال حضاريين سخّرهم الإنسان في مسيرة حياته، واستفاد من كل بطل وفق ما يتمتع به من مميزات، لا تزال دلالة كل منها قائمة.
لكن الناقد عبود لم ينسَ التأكيد على أن من حافظ على التراث الأنثوي الحقيقي هو الأدب وليس التطور التكنولوجي والاقتصادي الذي يضطهد المرأة كما يضطهد الرجل أيضاً. وكان قد رأى أن الكون الاجتماعي سيسير إلى الفساد أكثر فأكثر، والسبب في ذلك عدم وجود الوعي الثقافي. ونعود للسؤال الذي ينهض بصخب: كيف تحلم الأنثى برجل يأخذها على حصان أبيض، والحصان أنهى مملكتها وكرّس عبوديتها للذكر؟