ما بين سلوكيات المواطنة وثقافة العمل التطوعي
التطوّع.. هل تنحصر ممارسته بكونه “ترفَ مشاعر”، أم إنّه سلوكيات واجبة الحضور والتفعيل، ولاسيما في زمن الكوارث والحروب؟
نوائب الدهر لا تستثني أمةً دون غيرها إلا إذا كان قدرها العروبي والسيادي التام –من دون أي ارتهان أو ارتباط لأجندات خارجية- مكتوباً فيه المثابرة على فعل الصمود والتصدّي ومواجهة الجرائم والانتهاكات حتى يتم تحقيق العدالة الإنسانية والقانونية بين الشعوب.
وبالفعل حقّق الشعب السوري ما استطاع من تضحيات وصمود إلى ذلك سبيلاً، وانتشرت ثقافة التطوّع بشكل ملحوظ ولافت في زمن الحرب أكثر مما كانت عليه ما قبلها، التطوّع الذي يعبّر عن أعلى درجات المواطنة، والرسالة السامية التي تعمّق من خلالها انتماؤنا للوطن وخدمة أهدافه.
ثقافة التطوّع التي لم تكن غريبةً عن ثقافة أبناء الوطن، والتي تعدّت سلوكيّات؛ من مثال الاستجابة للظرف الطارئ، ونخوة السوري المحققة بالتأكيد تجاه الجار والصديق وحتى الغريب في ظل ظروف مأساوية وتحتاج المساعدة، وحتى الإيثار بالنفس، وكثيرة هي صور الأشخاص الذين يدخلون النار المشتعلة لإنقاذ شيخٍ أو طفلٍ صغير لا تربطهم به أيّ صلة قربى أو حتى معرفة، لغايات إنسانية صرفة، يوجّهها تشابك الوعي الجماعي والدافع الشعوري واللاشعوري.
بل كانت أيضاً ثقافةً منظمة وممنهجة وفق أسس وضوابط، ما بين الأعمال الخيرية والخدمية والبيئية التي من خلالها تم تأهيل مدرسة أو شارع أو تنظيف مجرى نهر وحديقة وتقليم الأشجار ومساعدة العائلات الفقيرة..
لكنّها تكثّفت خلال الحرب وصارت بصورة أعمّ وأشمل، وجمعت ما بين العمل الخيري والإغاثي والتنموي، وقد وصلت حدّ وجود فرقٍ تطوّعية في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في الدعم المعنوي والنفسي والردّ على الحرب الإعلامية الفاجرة على بلدنا سورية.
وصارت كثيرةً أسماء الفرق التطوّعية الشبابية مع تزايد الطلب على الخدمات الاجتماعية الحكومية الذي كان أحد مخرجاتها ردّ فعل وطني بامتياز لتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية كماً ونوعاً، وكان بحق الشارع السوري خير مثال في تضامنه وتعاضده منذ السنة الأولى في الحرب على سورية بمدّ يد العون والدعم المادي والنفسي لعائلات الجرحى والشهداء والعائلات المهجرة والفقيرة، فالتحركات التطوّعية خرجت من البيوت، ومن على منابر صفحات التواصل الاجتماعي وفرق التطوع الرسمية بصورة تعكس الجانب الإنساني وتعزيز المواطنة بسلوكيات متجذّرة في بنية المجتمع السوري.
ربما كانت الأعمال التطوّعية خجولةً فيما مضى، لكن اليوم ومن جراء الأزمات وجرائم الحرب والكوارث البيئية؛ استطاع الشارع السوري إعادة إنتاج سلوكيات المواطنة والعمل التطوعي ليتناسب مع المتغيّرات التي أحدثتها الحرب، وعلى خلفية فكرية تنهل من خصبنا الأخلاقي بقيم روحية ووطنية نبيلة.
وكان السيد الرئيس بشار الأسد المشجّع دائماً على العمل التطوّعي، الحاضر والمتابع لكلّ الأنشطة التطوّعية وهو الذي قال من بين المتطوّعين في مخيم العمل التطوعي الخدمي والبيئي سنة 2010: «إن أعلى درجات المواطنة هي تفاعل المواطن مع مختلف الحلقات المجتمعية، بدءاً من الأسرة وانطلاقاً إلى الحيّ والمدينة، وذلك بهدف الوصول إلى أكبر الحلقات وهي الوطن».