معجم أحفوريات
في معجم (ألفاظ الطعام والأمراض في تاج العروس) الذي جمّعه وأعدّه شوقي المعري، الصادر عن وزارة الثقافة، فإن أكثر من إشارة، ستُثير انتباه المُتابع، وهي أنه رغم الفقر الذي ينتاب البيئة التي ظهرت فيه تلك الأحفوريات اللغوية، والمقصود هو الفقر الشديد لعناصر البيئة الصحراوية، الذي كان له مُعادلاً لغوياً ضخماً، حيث عشرات المدلولات للدال الواحد.
الإشارة الثانية، أنه ورغم كثرة المدلولات غير أنها خاصة بذات المكان والبيئة، أي هي لزمن مُعيّن، ومكان مُحدد بذاته، وهذا ما يؤكده عدم صلاحيتها للاستخدامات اللغوية المُعاصرة، رغم ثبات الدال عليه، فرغم آلاف المُفردات التي استخدمت في زمنٍ مضى، لم يبقَ منها سوى اليسير والنادر، رغم كل محاولات مجمع اللغة العربية، والهيئات المُشابهة له، تثبيت تلك الأحفوريات بكل السبل والوسائل ومحاربتها لكل تجديد في اللغة، ومن ثمّ كانت كل عمليات التعريب المُضحكة والبائسة للمصطلحات الوافدة، بدل تركها تُغني اللغة العربية، وتثريها.
بالعودة للمعجم المذكور، فإنّ المصطلحات التي (جمّعها) المعري في معجم مُتفرع عن ( تاج العروس) أعتقد أنه كان الأهم، لاسيما في معرفة الحالة الاجتماعية لناس تلك الجغرافيا، مثل: معرفة أهم المواد التي كانت تدخل في صناعة الطعام، والتي كانت هي: الحبوب، اللبن، الحليب، اللحم، الخبز، وما يتفرع منها، والأبرز الذي يلحظه المتتبع لألفاظ الطعام، هو أنّ الخضار – على سبيل المثال – قد غابت عن معظم الأنواع، والأمر يعود للطبيعة الصحراوية التي كان يعيشها البدوي القديم.
في هذا المعجم سنلاحظ، إن اللبن والحليب كانا أكثر الألفاظ التي تتصل بالطعام تنوعاً، لأنهما المادة الرئيسية التي تدخل في كثير من أنواع الطعام وما ورد من ألفاظ تتصل باللبن يدل على هذا، وقد أخذ تسميات عديدة وكثيرة، فلمعنى اللبن الحامض وحده على سبيل المثال حوالي عشرين كلمة، واللبن الخائر ثلاثون كلمة، ومثله اللبن الذي خلط بالماء.
أما الجزء الثاني من هذا المعجم، فهو معجم الأمراض، واللافت في مصطلحات هذا المعجم، إنّ عدداً منها اشتق من المكان الذي يُصاب به الإنسان، أي من أحد أعضائه الجسدية، مثل البوّال، الجُناب، الحُلاق، الشُّفاف، الكُباد، والكُتاف، ويلاحظ أنه لا يوجد لفظ من هذه الألفاظ مستعمل الآن، والملاحظة الثانية، أنّ عدداً من الألفاظ، وكان غير معروف يدل على مرض معروف، وربما اختلط اللفظ لطبيعة المرض أو لاختلاف المجتمع، من هذا: الثُّطاع، الطشاش، الفُحام، وكلها تدل أو تعني الزكام، ومنه الحُمام، البُطاح، والذي يعني الحُمّى، والهكاع للسعال، والدُّوام للدوار والسُّحاق للسل.
وكان معظم مصطلحات هذا المُعجم جاءت على وزن “فُعال” وهو وزن خاص بالأمراض، وقد كثرت الأمراض التي وردت على هذا الوزن، ومعظمها أيضاً ما كان يُصيب الحيوانات التي كانت تحيا مع العربي البدوي كالشاة والغنم والإبل، ولذلك غابت الألفاظ التي تتصل بالسمك، وما يتصل بحيوان البحر، لأنها لم تكن قريبة منه.