«بازار» درامي!
تتوالى الأخبار عن بدء التحضيرات لعدة مسلسلات تنتمي لما يُسمى «دراما البيئة الشاميّة»، التي كانت لها في مواسم درامية سابقة، جملة من الأخطاء والمغالطات؛ بدءاً من المعلومة التاريخية غير الصحيحة، وانتهاء بنسجٍ لبيئةٍ يفترض أنها «شاميّة» غالباً ما ترافقت مع فترة الاحتلالين العثماني والفرنسي لسورية، أو استندت عليهما درامياً.
ومع إن الحديث لا يزال مبكراً عن الأعمال القادمة لكن نأمل ألّا يعيد مخرجو دراما البيئة الشامية وكتّابها، الكلاسيكيات والعناصر المكرورة في معظم ما شاهدناه، والأهم ألّا تكون أعمالهم إضافة لمشوار العبث والتشويه لتاريخ دمشق، فالإساءات التي اقترفتها الدراما في هذا الإطار، جرائم حقيقية، ابتعدت فيها عن أي قراءة منطقية وواضحة للحدث أو للفترة الزمنية المرتبطة به، بحيث يمكن البناء عليه والتشعب فيه، عدا عن أنها قدمت المعلومة التاريخية بناء على تأويل شخصي أو ملاحظات بسيطة؛ وهذه إشكالية حقيقية لكونها تعيد رسم المدينة من جديد في وعينا ودواخلنا، وآخر ما نبحث عنه هو تاريخ بأمزجة قُصَّت منه وألصقت فيه من دون مسؤولية، وهو ما رأيناه في تكرار مفاهيم معينة، أصبحت قاعدة لا مهرب منها في تلك الأعمال، كالزعامات والخيانة غير المسوّغة والصراعات الجوفاء.
وإذا كانت «البيئة الشاميّة» نوعاً دراميّاً له كتّابه ومخرجوه، فلماذا تغيب المحافظات الأخرى عن الشاشة بالزخم ذاته، إذا ما استثنينا «حلب» ومجموعة قليلة من الأعمال التي تناولت البيئة الساحلية عموماً؟، ألم يجد الكتّاب والمخرجون في تاريخها مفاجآت وحوادث يمكن تناولها والبناء عليها، أم إن الكتابة الدراميّة في حد ذاتها «بازار»؟.
ولو أعدنا سؤالاً سابقاً: «هل التأريخ أو التوثيق أحد مهام الدراما؟»، لَوَجبت إعادة النظر والبحث فيما قدمته الدراما للرأي العام عن «البيئة» بما فيها من تفاصيل، تبدأ من اللهجة إلى حياة الناس زمن الاحتلال، باختلاف مستوياتهم المادية ومصالحهم وطريقة تفكيرهم، ولأمكن أيضاً تصنيف الكتّاب مهنياً وإبداعياً.