فضاء الوهم
بعد مضي أسبوعين ونيّف على اندلاع القتال في إقليم ناغورني قره باغ بين القوات الأذربيجانية والأرمينية يتساءل الكثير من المحللين السياسيين عن الطرف الذي أشعل الحرب من جديد في هذا الإقليم المُتنازع عليه منذ ثلاثة عقود، وقد شهد حروباً ومناوشات عديدة بين باكو ويريفان.
هناك من يذهب إلى أن أذربيجان هي التي بدأت بالحرب في الإقليم بهدف استعادته من السيطرة الأرمينية، في حين تزعم أذربيجان أن القوات الأرمينية “هي التي بدأت استهداف المواقع الأذرية” على تخوم الإقليم.
وأياً يكن الطرف البادئ بإشعال الحرب في الإقليم بشكل مباشر فإنه ما من شك أن هناك طرفاً ثالثاً هو الذي قام بعملية التحريض والتحفيز لإذكاء أوار هذه الحرب والإبقاء عليها مشتعلة لتحقيق غايات جيو-إستراتيجية، وهذا الطرف لم يخفِ نفسه طويلاً، بل من اليوم الأول لاندلاع القتال في الإقليم نصّب نفسه ركناً أساسياً في النزاع، وأعلن أنه لن يتوانى لحظة عن دعم أذربيجان في استعادة كامل إقليم ناغورني قره باغ، وهذا الطرف هو النظام التركي الذي يبحث عن فضاء وهمي باتجاه آسيا الوسطى بعد أن فشل فشلاً ذريعاً في توجهه جنوباً وشرقاً وغرباً.
اليوم تتوضح الصورة أكثر فأكثر بعد إعلان أذربيجان أن تركيا «صوت لا يمكن إغفاله» و”يجب” أن يكون داخل مجموعة «مينسك» (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) التي تتولى منذ سنوات مسألة حلّ النزاع بين أرمينيا وأذربيجان بشأن هذا الإقليم.
في المحصلة: إن هاجس الفضاء الوهمي الذي يسعى لتحقيقه النظام التركي ورئيسه رجب أردوغان حوّل هذا النظام من مخلب للشر –كما قلنا في مناسبات سابقة- إلى «إبليس» المنطقة، فحيث يكون هناك نار ودمار ونزاع فإن رأسه سرعان ما يظهر ولا يحتاج المرء لكثير من التدقيق ليراه، بل إنه هو من يعلن عن نفسه بنفسه.