حدّثونا في الحكايا وقصص الأطفال عن شجرات ثلاث باسقة، شامخة، خضراء، مغروسة في غابة كثيفة على سفح أحد التلال.. تعشش فيها الصقور والنسور الجوارح، ويؤمها كلّ طير مهاجر، وبفيئها يستظلّ المتعبون وكلّ ما هو مفيد من فطور وأعشاب عطرية تشفي البطون والصدور.
لكن استمرارية العطاء المحيطة بالشجرات الثلاث أصابتها بحالة من الغرور و«النق» والشكوى، وراحت تتذمر من كثرة الزوار واتّكائهم على أغصانها الشماء!!
وتمنّت كلّ واحدة من هذه الشجرات لو أن فأساً يقطعها، وتصير إمّا صندوق مجوهرات وحلياً نفيسة ولآلئ كبيرة، وإمّا مركباً فخماً يعبر المحيطات والبحور، وينافس بجماله الباخرة «تايتانيك»، وإما أن يتم جمعها في برج خشبي واحد يكون أطول وأمتن من كلّ البروج.
حالة «النق» المتكرر والشكوى هذه وصلت مسامع الفأس الذي كان مارّاً في الغابة ومعتاداً التحطيب وقطع الأشجار اليابسة لا الباسقة، الميتة لا الحيّة، لكن في ساعة جنون وكثرة طرق وممارسة، حقق هذا الفأس للأشجار بعضاً من أحلامها وأحلامه، فصارت الشجرة المتأملة أن تصير صندوق مجوهرات وحلياً نفيسة (مزود طعامٍ في حظيرة غنم) في حين أصبحت الثانية التي تمنّت حسن وجمال الـ«تايتانيك» قارباً صغيراً يحمل سمك السردين ويركل جوفها كل أطفال الحيّ بأقدامهم الحافية، أما الشجرة الثالثة”ولسوء حظها” فقد قطعها فأس مصنوع منها، ولكونه الغصن العاقّ فقد تماهى هذا الفأس في التقطيع والتكسير حتى أن الشجرة ما عادت تصلح أن تكون أثاث منزلٍ ولا حتى سور حديقة صغيرة!!
وما يلائم لؤم قاطعها.. هذا الذي اعتاد التحطيب، ونسي أنه (مقطوعٌ من شجرة) وشعر ذات لحظة بنشوة التفوّق على الشجر الشامخ وعقدة كونه غصناً حقيراً، أن تصير هذه الشجرة الباسقة «أعواد كبريتٍ» تحقّق أماني الفؤوس الحاقدة في حرق «الأخضر واليابس».. الفؤوس المشبعة كراهيةً وغلاً، ولا انتماء لديها للغابة الأم.