الحقيقة التي هي!
دعي العالم و الملياردير«كيرش» إلى مؤتمر دولي للكشف عن اكتشاف «سيغير وجه العالم إلى الأبد»، وكيرش ليس إلا شخصية رئيسة في رواية الأصل للكاتب دان براون، وطبعاً تنتهي الدعوة في الرواية من دون الكشف عن هذا “«لاكتشاف»!.
إلا إن هذه الفكرة «اكتشاف سيغير وجه العالم»، تحمل من التشويق ما يكفي ليمرر الكاتب ما يستطيع وليس ما يريد أو يطمع من أفكار، طوال الرواية الضخمة كعادة براون في كتابة رواياته.
وبين ما يستطيع وما يريد، لا بد من أن يحسب حساباً لصبر القارئ المفترض، ولا بد له من مراودة هذا الصبر فيقرّبه من دون وصال، ويبعده من دون أن يشعره بالإحباط من عدم الوصول!، محافظاً على جذوة صغيرة من الشغف، يستطيع منها إشعال محاولة أخرى جديدة أو مختلفة، فيمر الإحباط من عدم الوصول كأنه لم يكن!.
هكذا على ما يبدو تدور عجلة الحياة، بين الشغف والصبر، الشغف حتى نعرف «لكي نعرف»، والصبر حتى نعرف «إلى أن نعرف»، فالشغف يأتي من عدم المعرفة، وعندما نعرف تأخذ الأشياء حجمها الطبيعي من دون تقزيم أو تضخيم، لكن في المقابل لا بد للباحث من التحلي بالمعرفة حتى يصبر، لا بل تُشترط الخبرة، والتي لا تعني المعرفة فقط، بل التمرس بهذه المعرفة، كشرط أساسي للصبر.
وهكذا تأتي الدعوات أو الوعود لإزاحة الستار، كمن يرفع حجاباً، كمن يقول: هذه هي «…….»، ولكم أن تضعوا في الفراغ ما تريدون، الحقيقة؟، الحياة؟، المهم أن يمرر صاحب الدعوة أو الوعود ما يستطيع تمريره، ذلك أن الاستطاعة لا تتعلق بصاحب الدعوة فقط، بل تتعلق بالمتلقي «المدعو، الموعود» أيضاً.
المتلقي ينوس بين الصبر والشغف، متعلقاً بحجبه، والتي يظن أنه لولاها لسقط في الهاوية ولعله لذلك أكثر تشبثاً بها، من الرغبة في معرفة «الحقيقة» مثلاً!.
هذه الحجب ليست إلا تصور المتلقي نفسه للحقيقة «كمثال»، من هنا يكون عدم الكشف عن الحقيقة، أفضل من الكشف عنها، خاصة إذا خالفت التصور عنها، هذا التصور الذي نريد أن تطابقه الحقيقة، لا أن يطابق الحقيقة!.