للإشاعة على وفق دلالتها الرامية إلى نشر الأخبار بشقّيها الكاذب والمستشفّ عدد من الوظائف والتفاسير التي يتصدّرها أنّ الإشاعة تعكس الرغبة والتخوّف على المستوى الجمعي في آن واحد؛ بحيث تستطيع قوّة المرغوب فيه أن تحوّله إلى خبر متداول على نطاق واسع قيد التنفيذ والإنجاز، والتخوّف من تحوّل الهجس الجمعي بحدوث المصائب والكوارث إلى واقع على الأرض.
والإشاعة الخاصّة بحرق سورية على وجه العموم، وحرق صفتها الخضراء, خصوصاً, تتعلّق بتعميم الحرائق وإشاعتها على أوسع نطاق يلتهم المتبقّي من الحياة. والمستغرب في هذا السياق تصريح مسؤولين زراعيين رفيعين يقضي بتحميل الفلاّحين الوزر الأعظم من المسؤولية عن الانتشار الخطير؛ لكن ما غاب عن فطنة المسؤولين أنّ كثيراً من الحرائق المرصودة في المناطق المحروقة انطلق في منتصف الليل، وحرائق عديدة اندلعت في توقيت واحد دقيق في مناطق شديدة التباعد. وتجميع الحشائش اليابسة والهشيم وحرقه تمهيداً لقطاف الزيتون نشاط سنويّ يمارسه المزارعون باستمرار؛ والزعم الذاهب إلى أنّ الحرارة التي بلغت مستوى غير مسبوق في المنطقة كان العامل الأساس في نشر الحرائق ينقضه أنّ الحرارة العالية تمنع العمل الحقلي، وكان وجود فلاحين يعملون في العراء تحت فظاعة تلك الحرارة والرياح الشرقية الناشفة أمراً واقعاً في حيّز الندرة, وأنّ معظم الحرائق جرى توقيتها في اليوم الأكثر حرارة وخلال الليل بما يتيح للمعنيين بالأمر وضع اللوم على الحرارة العالية والمصادفة، بما يعني صرف الأنظار عن الجهة الفعلية المسؤولة عن إضرام النار.
تلقّفت الجهات المعادية تصريح المسؤول الذي وضع اللوم على الفلاّحين واتّهامهم بإهمال أراضيهم التي ساعدت أعشابها اليابسة على تسارع انتشار الحرائق؛ والمريب إصرار تلك الجهات على نشر هذا التصريح بما يعني إسهامها في تخبئة المسؤول الفعلي عن إطلاق الحرائق ونشرها. لا يتعلّق الأمر بفنون التصريح، لكنّ المنظر المفجع للمساحات المحروقة ومشاهدة مزارعين يحاولون حماية أشجار الزيتون بأبدانهم في مواجهة النار المباشرة أمور تستدعي عدداً من التساؤلات التي لا يجوز وضع الإجابة عنه في خانة البراءة. هل تعرف الجهات الزراعية الكلفة الفعلية لحراثة الدونم الواحد، والتسميد، والمبيدات وبقية الأكلاف غير الواردة في اعتبارات أحد خارج العلاقة المباشرة مع الأرض؟. مع الاختتام بإعفاء الجهات الزراعية المسؤولة عن (مكرمتها) المرتجلة بمنح المزارعين المتضررين غراس زيتون، لأنّ جذور الزيتون بما تختزنه من غذاء في مواجهة الملمّات كفيلة بمنح الحياة للبراعم المأمولة بشكل أسرع بكثير من زرع غراس جديدة.