لعبة انتخابية
منذ خروج فيروس “كوفيد19” من القمقم ليغدو “مارداً” بل إعصارا عابراً للمحيطات والقارات والفضاءات والقوميات والجبال والأودية والقوات الأرضية والإلكترونية والصواريخ الذكية، فعل ما فعل في الكرة الأرضية أكثر من الحربين العالميتين وتجاوز قوى النفوذ وحسابات الدول العظمى وعمق الاصطفافات ورسخ الشعبوية والعنصرية وكشف عيوب الأنظمة الصحية للدول الصناعية المتطورة.. عدد ضحاياه حتى كتابة هذه الكلمات تجاوز مليوناً ونصف المليون، فيما تجاوز عدد المصابين 36 مليوناً، هذا المسجل أي المعلوم.. هذا الفيروس لا يعرف كبيراً أو صغيراً، غنياً أو فقيراً، غربياً أو شرقياً، فقد حجر الكبار من عيار بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وجايير بولسونارو رئيس البرازيل وإمبراطور اليابان ناروهيتو هيروهيتو وملك إسبانيا فيليب السادس وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز وحبس كبار الرياضيين والممثلين، ولكن كان السر الأكبر والحدث الأهم في الأيام الماضية إصابة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالكورونا وهو الذي سخر منه وقلل من أخطاره وكذب آثاره في الأمس القريب كان له طعم آخر خاصة وأنه ضرب ساكن البيت الأبيض وأسرته قبيل موعد الانتخابات الأمريكية لولاية ثانية بأيام فالمصاب غير كل الملايين المصابة فحجز “المناشيتات” في الصحف الكبرى والمغمورة وزلزل الأسواق المالية وهبطت البورصات وتأرجحت قيم العملات وهبط سعر برميل النفط وحلق المعدن الذهبي.
اللافت ليس إصابة ترامب وأفراد أسرته بفيروس كورونا وإنما بفترة حجره لساعات قليلة في المستشفى العسكري؟ وبقطع فترة الحجر وعودته إلى البيت الأبيض وهو “يرفع أشارة النصر” وبالإيماء لأنصاره بالتصويت وكأن الذي جرى مجرد مسرحية لاستثارة أنصاره واستقطاب تعاطفهم من جهة ومن جهة أخرى ليدلل على أنه أصيب مثل كافة الأمريكيين، ومن جهة ثالثة لإيصال رسائل “مشفرة” بأنه “الرجل القوي الذي صرع الفيروس”، والأهم أنه سوف يوصي لكبار السن بذات الدواء الذي تناوله وشفي على أثره في هذه الساعات القليلة، على أن تكون الطعوم بعد الانتخابات أي مقرونة بالتصويت له وهذا ما أشارت إليه علانية رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي مستنكرة هذا الاستعجال ومعلنة أنه سلوك ترامب في التعامل مع المرض بطابع سياسي حتى في القضايا الكبرى حتى يبدو وكأنه تغلب على الفيروس وهذا سلوك جهنمي وخطير للغاية على المجتمع الأمريكي وعلى العالم.. هذه هي الولايات المتحدة وهذا سلوك بيتها “البيضاوي” وهذا سلوك رئيس أكثر دولة ظالمة ومتجبرة، فحتى مع المرض تدخل اللعبة السياسية حتى وإن كان مع مواطنيها والتضحية بالآلاف كبيادق ومن ثم طرح الترياق وهذا يشي بأن الإدارة الأمريكية قد تكون وراء زرع الفيروس واتهام الآخرين جزافاً في خطة مدروسة لتحقيق مكاسب مادية وانتخابية.