حلمتُ أني فراشة
لعلَّ في بعض القصص التي تُروى عن أهل الدراية والتجربة نوافذ تُفتح مشرعةً أمام من يريد، فتفتح له آفاقاً يستعملها محاكاةً في كثير من شؤونه، ولعلّها تتطور عند بعضهم لتكون أسلوبَ حياةٍ يقطف من خلالها جنىً لم يكن يتوقعه.
يروى أنّ( شوانغ تزو) استيقظ ذات يوم، والدموع تنهمر من عينيه حزيناً منهار القوى، تعجّب تلاميذه ومريدوه من حالته التي ما عهدوه على مثلها، وراحوا يسألونه: هل يمكننا المساعدة؟ أجاب: «لا أعتقد أنكم قادرون على فعل شيء» ومع إصرار تلامذته على معرفة ما ألمّ به وسبب له كل هذا العذاب والقلق، وهو القوي الصلب القادر على تخطي المصاعب، أجاب بهدوء: نعم هكذا عرفتموني، لقد كنت هكذا، غير أني حلمت ليلة أمس حلماً هزَّ كياني، جعلني أشعر بأني لا شيء.
وهل هذا معقول، مجرّد حلم فعل كلَّ هذا؟!
ليس مجرد حلم، إنه غير ذلك لقد شتتني ودمرني.. لقد حلمتُ بأني فراشة.
ضحك الجميع، فراشة؟ إنه حلمٌ عادي قد يراود أيَّ إنسان
أعرف ذلك، وأعرف أن ما رأيته ليس إلّا مجرّد حلم، ولكنه جعلني أسأل نفسي: من أنا؟، فإن كنت قد حلمت أني فراشة فقد تحلم الفراشة بأنها شوانغ تزو؟! فمن أنا شوانغ تزو أم الفراشة؟, وبينما تلاميذه في حال من التشتت والحيرة وصل تلميذه المقرّب«ليه تزو», وأخبروه قصة الحلم متذمرين، خرج «ليه» على الفور وأحضر دلو ماء بارد وسكبه على رأس معلمه الذي ما إن أحسّ بالصقيع حتى ضحك وقال ليتك كنت هنا لوفرت علي الكثير وعلى هؤلاء الأغبياء الغارقين في التفكير من دون محاولة فعل شيء.. أنت وحدك يا«ليه» تستحق أن تكون خليفتي.
بهذا الحلم أراد توانغ أن يشير إلى أن من العبث أن نهدر طاقتنا هباءً، فالزهرةُ تزهر تلقائياً والنهر يسير إلى غايته، إنها البساطة التلقائية العفوية، «هي الطريق إلى الصواب»، كلمته الشهيرة، والتي تشبه ما قاله أسياد أهل الحكمة:« أكثرُ الصواب في مخالفة الهوى».