زبائن التوتر والحروب
يبدو من الأزمات المتتالية في المنطقة والعالم أن الاستقرار لا يخدم الجميع بالدرجة ذاتها، فما إن سحبت الوساطة الروسية بساط التفجير في إقليم ناغورني قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا ومن تحت أذرع المتلاعبين بالاستقرار في القوقاز، حتى أعلنت تركيا أن السفينة “أوروتش رئيس” ستجري مسحاً زلزالياً في شرق البحر المتوسط، وكأن الهدوء في القوقاز أزعج تركيا التي تريد العودة إلى تجديد التوتر في البحر المتوسط بالمقابل.
لا يخفى الدور التركي في النفخ في أزمة القوقاز وفي أزمات دول حوض المتوسط، كما لا يخفى السلاح الإسرائيلي فيها، لكن روسيا التي تمهلت لإدراك حجم ودور الخارج في تصعيد التوتر قطعت الطريق على الجميع بوساطتها، ويبدو أن موقفها بعودة الاستقرار جازم وقاطع لمنع إضافة بؤرة ساخنة في محيطها الذي يريده حلف شمال الأطلسي “ناتو” ملتهباً.
من الشكل يبدو تطبيق كامل اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا مرهوناً بعدم التدخل الخارجي –إن استطاعت راعية الاتفاق روسيا إبعاد الخارج ما أمكن-، لكن إشعال هذا الوميض في ناغورني قره باغ ربما هو مقدمة للتفجير الأكبر، وكما أن روسيا معنية باستقرار القوقاز، فإن إيران أيضاً يعنيها استقرار المنطقة، وبالمقابل إشعالها يعني تركيا و”إسرائيل” ومن خلفهما “ناتو”.
كما في الشرق الأوسط أيضاً في أزمة ناغورني قره باغ هناك إضافة لتركيا يوجد الكيان الإسرائيلي، فالتشابه بين تركيا رجب أردوغان والكيان الإسرائيلي كبير، فالتوتر يحييهما والاستقرار والأمن والسلم تميتهما.. العيش في الفوضى وتسعير نارها في المنطقة هو ما يمد نفوذهما،.. في الشرق الأوسط، الكيان الإسرائيلي والنظام التركي يلعبان بأمن المنطقة وهما منبع التوتر الذي يمهد لـ”ناتو” التدخل، مهما ظهر من خلافات تركية– أوروبية، فجهاز التحكم الأمريكي لا يزال يضبط إيقاع الخلاف بين أتباعه ويوجههم حسب مصالحه.
تركيا أردوغان التي تحيا على وقود الفوضى التي تمنحها استدامة في المشهد السياسي الدولي لا تزال تعيش رؤية استعادة شبح سلطنتها العثمانية بحرق المحيط العربي أولاً، وثانياً: في القوقاز لتحقيق مكاسب من خلال الضغط على روسيا ربما في الشرق الأوسط.
رغم أن القتال قد توقف شكلياً في إقليم ناغورني قره باغ وتم خفض فوهات المدافع، إلا أن تركيا لا تزال تقرع الطبول وحيدة لأجل الحرب في القوقاز.