النيرانُ وأصابعُ الاتهامِ..!
قبل شهور ليست بقليلةٍ نشبت في أستراليا حرائقٌ هائلةٌ طالت آثارها المدمّرة الغابات الشاسعة، ووصلت نيرانها البيوت وقاطنيها والمرافق والبنى التحتية لبعض البلدات الأسترالية، والجدير ذكره أن أصابع الاتهام في سبب انتشار هذه الحرائق وُجّهت يومها، وحسب صحيفة «الديلي ميل» البريطانية؛ إلى طائر «الحدأة» الذي اعتمد في جريمته على نقل الأغصان الصغيرة المشتعلة والطيران بها ومن ثم رميها في أرض عشبية، صانعاً منها بؤراً مشتعلة في أماكن جديدة، وعلّل العلماء فعلة طائر «الحدأة» هذه ولجوءه إلى هذا التكتيك بأنه يقتات على الحيوانات النافقة، وبأن الغابات الكثيفة تعوق رؤيته للفريسة.
فعلةُ «الحدأة»، والتي هي نوع من الطيور الجارحة أطلقوا عليها اسم «صقور النار» ليست -حسب الدراسات واستنتاجات العلماء التي تفوق النتائج العادية للعلاقة الفطرية بين المفترس والفريسة في الحياة البرية- إلا فعلةً تشبه إلى حدٍّ كبير الطرق والوسائل الإجرامية البشرية، وعناصرها واضحةٌ من حيث الخبث والدهاء والجشع..!!
في سورية، وبمواكبة حكومية من جميع الجهات المعنية، وبمؤازرة من عناصر الجيش العربي السوري والأهالي، تمت السيطرة على الحرائق التي انتشرت في المنطقة الساحلية وحمص وقبلهما في سهل الغاب ومصياف.. هذه الحرائق بصورها المؤلمة هي اليوم بمنزلة رشّ الملح على جروح الحرب التي لم تندمل أو تُشفَ بعد، الحرب التي أفرزت الكثير من التحديّات والمعوقات التي لم يقتصر تأثيرها الكارثي على تعقيد وتصعيب الحياة الاقتصادية والمعيشية للشعب السوري، أو تضرر البنى التحتية والمرافق الخدمية أو حتى على إعاقة جهود الدولة السورية في التنمية وعدم قدرتها على تحسين الموارد المؤسساتية واستيراد كل ما هو جديد من آلات ووسائل حديثة، وأدوات إطفاء الحرائق هي أحد هذه المستلزمات التي لم تستطع الدولة رفد مؤسساتها بها، إضافة إلى تحديّات ومعوقات اجتماعية جديدة فرضتها أيضاً هذه الحرب الإجرامية المفروضة على سورية التي لا نستبعد فيها الجانب الإجرامي للانتهازيين والخارجين على القانون، أو حتى الجانب التخريبي لفلول الإرهابيين الذين استهدفوا كلّ مقوّمات الحياة في سورية، ولن تكون غاباتها في منأى عن أهدافهم ونيّاتهم الإجرامية..!!
إن الغابات السورية التي تتميّز بندرة وأهمية الأنواع النباتية فيها كأصول وراثية، وكذلك غناها بأنواع الحيوانات النادرة، هي شبه مدمّرةٍ اليوم، إذ تأذّت المساحات الحراجية فيها وكذلك المزروعة، ودُمّرت الموائل الطبيعية التي تقطنها الحيوانات، واحترقت الأشجار الموسمية لسكان المناطق المنكوبة من جرّاء حرائق ربما –أيضاً- تكون التغيّرات المناخية والعوامل الطبيعية أحد الأسباب التي تشير إليها أصابع الاتهام وراء التهام الحرائق مساحات كبيرة من الجرود والأراضي الزراعية..!!
ويا للمفارقة!! الولايات المتحدة الأمريكية الملطّخة يداها بدماء الشعوب، ولاسيما الشعب السوري، تُظهر تعاطفها مع هذا الشعب المتضرّر من جرّاء الحرائق، وتتباكى عليه، فأيّ «عهر سياسي» هذا الذي تمارسه أمريكا؟! وهي الداعم الرئيس للحرب الإرهابية الوحشية عليه، والسارق والناهب لثرواته وخيراته والمحتلّ لجزء من أرضه، وبفجور ما بعده فجور تستمر واشنطن بممارساتها الوحشية وانتهاكاتها هي «الحدأة» التي مازال جناحاها الإرهابيان يؤكدان ويشيران وكذلك مخالبها إلى أن البصمة الرئيسة وراء أي انتهاك وإجرام هي بصمتها، وأن الاتهام لابدّ سيبقى حاضراً وموجهاً إليها.