يا ليتني مطر!

الأشجار تحترق واقفةً مثلنا على طوابير الأحزان والأسى: الزيتون بنواميسه، كثافة صَمْتِه، وتغضُّنات أغصانه.
الكروم ببهاءِ عناقيدها، طقوس فرحِها، رقص عرائشها من الألم، وجَمال أوراقها، حتى إنني أسمع تنهُّدات تخمُّراتِها، وأنين جذورها.
القمح أيضاً يحترق، ويَنِزُّ بِحَمْلِه، وتستعر سيقانه وسنابله كقداديس باخ وجنائزياته الباذخة.
التين يفيض نوراً وناراً، والحمضيات تعتصر أحزانها المديدة.. الحور والكينا والصفصاف تعيش حرائقها، وتراجيدياتها بكامل أساها وقسوتها وسواد مصائرها.
شقائق النعمان تتشقق كمداً على الزعتر البري وإكليل الجبل، والسنديان يُمَوْسِقُ النّيران على مقام الليل المُخيِّم علينا منذ دهر.
يدا الفلّاح، وساعداه، ومآقي أولاده تحترق، ونهدات زوجته تُشعِل السَّماء ألماً، وأنَّات عَرَقِهم باتت كـ«عَجَلة مشتعلة تمرُّ فوقنا»، فلا ضماد لجراحهم المُثخنة، ولا عزاء لسنين التّعب.
الأرض تغلي من تحتهم، والسَّماء لا تستجيب، والرَّحمة تَمَنَّعَتْ علينا.
يا ليتني مطر، يا ليتني مطر!
يكفينا كل هذه النيران.. فاضت أحزاننا، وصبرُنا نفد، وقلوبنا مع كلّ إشراقةٍ تحترق.
يكفينا احتراق، بكل حقوق البشر، يكفينا احتراق.. فلم يبقَ منّا شيء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار