طريق النص التلفزيوني إلى الإنتاج (3)
كانت خلاصة ما انتهينا إليه في الأسبوع الفائت هي أن أساس تحول الفكرة العظيمة إلى قصة عظيمة، هو «ماذا يحدث» المشهد تلو المشهد في هذا القصة، لا كيفية كتابة «ما يحدث» ووصفه، وفي حديثنا «عما يحدث» لابد أن يثار سؤال عمن أهم هنا: الحدث أم الشخصية؟ عادة ما ينسب المسلسل التلفزيوني (تسويقياً) إلى النجوم الذين يؤدون شخصياته الرئيسة، وهو ما قد يعد مؤشراً واضحاً إلى سيادة الشخصية في بنية العمل التلفزيوني، إلا أن ذلك لا يعني طغيان الشخصية على الحدث، وإنما تلازمهما حد التوحد فكلاهما واحد، كما يؤكد د. سمير سرحان في كتابه ( مبادئ علم الدراما) إذ يرى أن «الحدث بوصفه موقفاً يحتوي بطبيعته على عناصر الصراع، ويتطور بواسطة الحبكة والفعل ورد الفعل وتصارع الإرادات إلى ذروة معينة…وهو في ذلك كله لا ينفصل عن الشخصية… فالشخصية هي صانعة الحدث، وبذلك تكون الشخصية والحدث شيئاً واحداً» وفي كتابه (story ) يقول مستشار استوديوهات هوليوود (robert mckee) أنه لا يمكننا أن نسأل، أيهما الأكثر أهمية، البنية أو الشخصية، لأن البنية شخصية، والشخصية بنية، وهما الشيء نفسه، ولهذا السبب لا يمكن لأحدهما أن يكون أكثر أهمية من الآخر..اليوم الخطأ الأكبر الذي يرتكبه كتّاب الدراما، ويلحقهم في ذلك كثير من النقاد والصحفيين، حين يقيسون قيمة المسلسل الذي بين أيدهم بسمات أبطاله، ولاسيما الخارجية، أي حين يغلبون الشخصية على الحدث.. كثيرون ممن يتحدثون عن مسلسلاتهم الجديدة اليوم، يركزون في حديثهم على سمات بطل مسلسلهم، فيبدأ الواحد بذكر العديد من صفات بطله النفسية (موضة هذه الأيام) والاجتماعية وسواها التي تجعله يعتقد أنه كتب مسلسلاً عظيماً، وهو يسهب في حديثه عن شخصياته من دون أن يحدثني ماذا تفعل شخصياته في هذه الحكاية، ولذلك كنت عادة ما أجد نفسي مضطراً لإيقاف سيل حماسة محدثي، والإجابة عن سؤاله عن رأي بشخصياته بالقول: «حال الشخصية في المسلسل التلفزيوني مثل حالها في الواقع لن تعرف حقيقتها ما لم تعاشرها«. بالمثل كنت أرى نقاداً وصحافيين يسارعون إلى التصفيق لمسلسلات لم تعرض بعد والحسم بنجاحها لمجرد أن فيديوهاتها الترويجية قدمت هذا النجم أو ذاك بسمات لم يعتادوها من قبل، وهؤلاء لا حاجة لدخول جدل نقاش معهم، إذ سرعان ما تطيح خيبتهم مما يشاهدونه بحماستهم المفرطة تلك. باختصار: عزيزي كاتب الدراما؛ الشخصية والحدث شيء واحد، وحبكة العمل الدرامي تصنعها خيارات شخصياته لا سماتهم وحدها، ومهما كانت شخصياتك عظيمة، تبقى قيمتها الحقيقة بما تفعل لا كيف تظهر، وفي المقابل الشخصيات التي لا تتحول، وفق منطق ومسار ترسمه حبكة الحدث، هي شخصيات ميتة، بالحكم الدرامي، أي إنها غير صالحة للعرض، مهما كانت مثيرة للدهشة. وللحديث بقية.