يتنطّعُ الكثيرون من جهابذة وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحديث والعمل في الاختصاصات كلها إلا اختصاصهم الحقيقي.
فواحدهم يعمل مرشداً تربوياً ونفسياً على الريق، وطبيباً تجميلياً بعد الظهر ينصحُ في قضايا “التاتو” و”الآي لاينر” وأسنان اللولو وابتسامة الموناليزا، ثم مساءً يتحوّل إلى مهندس كهربائي يُشرقِط بالمسبّات ضد كل عمال الطوارئ والوزارات المعنية.
فيما صديقتُه في “مهنة النقيق والادعاء” تتفوق عليه، إذ تقترح خططاً استراتيجية في إعادة هيكلة البنية الإدارية والقانونية والمالية لمؤسسة ما…لكن فقط بقولها: “هناك ضرورة ملحّة لإعادة هيكلة بنية الوزارة الفلانية” دون أي مقترح حقيقي وواقعي قابل للتنفيذ وعلى سبيل المثال لا أكثر لكي يأخذ به أصحاب الشأن فيما لو وصل منشورها الخارق هذا إليهم. والأسوأ أنها هي نفسُها تتحول في الليل الرومانسي بعنادٍ مستمرٍ بل بجرأة الجاهل إلى شاعرة تكتب قصائدَ في مديح نفسها.
ثم لدينا أولئك الذين يردّون على هؤلاء في سجال لا نهائي حيث غبارُ الكرّ والفرّ يعكّر الفضاء الأزرق وصرير سيوف “اللايكات” المؤيدة يحتدم مع قرع طبول الجمل الشاجبة ودويٍ “الدسلايكات” المنذرة بكوارث ديجيتالية من عيار الحظر والتقييد والإبلاغ عن الصفحات وتسليط “الهاكرز” مع العتاد الكامل من البصاق الافتراضي واللكمات الليزرية.
يا إلهي… أي جنون وأي جحيم هذا.
الكارثة أن معظم “المتفسبكين” المحليين باتوا مثل قفير الدبابير الهائجة فيما لم يبقَ إلا أقل القليل من النحل الشغيل يعمل بصمت وإيمان بأن لا شيء أكثر قيمة من جمع رحيق الكلمات لتحويلها إلى عسل معرفي نادر.