عدد صفر من مجلّة أسبوعيّة، لكنّه كامل بالافتتاحيّة والموضوعات والكتّاب والعناوين والمضامين!
عرضٌ لفيلمٍ هامّ، لكن على جمهورٍ محدود، هو نوعيّ من وجهة نظر صانعيه!
عرضٌ مسرحيّ انتهت تدريباتُه المضنية، يبدأ وينتهي على الخشبة والمقاعد فارغة تماماً في يوم عطلة أسبوعيّة!
حفل كبير، يجري بقضِّه وقضيضه، ب “بروفة جنرال” قبل إحياء الافتتاح، ودون أن تمتلئ المدرّجات بالمتفرِّجين!
تقاليدُ عرفتها الثّقافة وتناقلتْها، كأنّها جزءٌ من اكتمالها ونضجها، وهي في الواقع استطلاعٌ واستشفافٌ لتخلُّق العمل في الواقع، وامتداده في الزّمن المستقبليّ! وبعض الأعمال المعرفيّة تعرف العدد صِفْر وغياب الجمهور و” البروفة جنرال” لكنّها خارج الضّجيج والرؤية العينيّة، كما حال رواية مترجَمة دفعتها يد المترجم إلى التّدقيق، فبيَد المدقّق ستحظى بقراءة متأنّية، هادئة، فيها متعة، تتخطّى عذابات المترجم وهو يجوس في أرضٍ غير مستوية، يتجاوز مطبّاتها ويتخطّى صخورها وينتزع المعادن من طينها ومائها، وحين تحظى بقراءة بَعْديّة تكون كقطعة الخزف التي اكتفت من النّار والشيّ واستقامت تحت الضّوء السّاطع!
الجمهور النّوعيّ المحدود، لابدّ أنّه يتّمتّع بحظوة لدى المبدعين، لأنهم أمامه يتحلَّلون من مخاوف ردود الأفعال غير النّاضجة، أو يتوسّلون الرّدود الموضوعيّة، التي بعدها، يطلقون جيادهم المدرّبة في مضمار السّباق!
ربّما انسابت هذه التّداعيّات، قسراً، لأنّني وقعْتُ على تجربتيْن متزامنتيْن: مراجعةِ رواية مترجمة وقراءةِ مسلسل تلفزيونيٍّ طويل، وكلا العملين يتمتّع بسويّة عالية، كأنّهما العرض الأوَّل لجهد جماعيّ، اتّسق فيه النّصّ، مع اللَّوحة التّشكيليّة ونوع الخطّ أو الموسيقى والدّيكور وإنشاد الجوقة! والمفارقة أنّ الرّواية المترجمة تتحدّث عن الحرب الأهليّة اللبنانيّة سيّئة الذِّكْر، والبطولة فيها ليس للموت وحده، بل للاستهانة بالرّوح الإنسانيّة وعُلوّ أرواح الحيوانات عليها، كلاباً ودجاجاً وحَماماً داجناً، وفقدان قيمة الإنسان حيّاً وميْتاَ، لأنّه يلقى وحشيّةً وهو جثّة أكثر منها وهو حيّ، بينما تناول المسلسل الناس في سوريّة منذ ذرّ قرنُ الشّرّ على أرضها تحت عنوان “ثورة” ما فتئت أن توسّعت بإجرام وقتلٍ وتدمير وتنكيل وتعرية للقيم، كما يفعل إعصارٌ بتربةٍ تراكمت لعصور واحتضنت ذهباً وقمحاً وأبجديّة، ومن الحالتين: السُّوريّة واللّبنانيّة خرجت الرّواية والمسلسل، من روائيٍّ عربيٍّ في المهجر، نقلها مترجمٌ في مهجرٍ آخر، وسيناريست مقيمٍ في الوطن، دون أن يتعارفوا! نوعان من فنٍّ قد يتلاقيان ويفترقان، لكنّهما ساخنان من موقدٍ واحد، يؤرِّخان لحالةٍ، خيرُ من يتحدّث عنها هم أهلوها ومن عاشوها، لكن هل كان من حسن الحظّ والطَّالع أنني كنت من شاهدَ العرضَ الأوّل لكليْهما؟