الوقت وتمايز المردود ..!
التفاوت في قيمة الوقت في زماننا هذا أصبح متبايناً بشكل حاد، فهو يُهدر عنوة وبلا أي قيمة عند الغالبية العظمى من الفقراء.. بينما تجده عند قلة قليلة من المقتدرين ذا ثمن كبير ولايكادون يضيعون منه ثانية.
إن وقت الموظفين يمضي لثماني ساعات يومياً من العمل المتواصل وقد لا يتسنى خلالها للكثيرين في معظم الجهات الحيوية “رفع رأسهم” من كثرة العمل والمراجعين.. والقيمة المقابلة تكون أجراً ضئيلاً لا يكفي وجبة إفطار لأسرة صغيرة، بينما تجد هذه الساعات الثماني تدرّ دخلاً مجزياً لأصحاب المهن الحرة، بل بضع دقائق منها تدرّ رزماً لا تحصى من النقود عند تجار الأزمة.
والوقت نفسه عند استلام مواد الخبز والسكر والأرز والمحروقات المدعومة تجده يضيع بالساعات الطوال بلا أي قيمة، حيث تضطر الغالبية ممن أعياها الفقر للاصطفاف في طوابير مقيتة تهدر الوقت وتجبله بمعاناة شديدة من الألم الجسدي الناتج عن الوقوف الطويل تحت أشعة الشمس اللاهبة وقريباً وسط البرد القارس مع حلول الشتاء، وكذلك الألم النفسي نتيجة الإحساس الذي يراود الإنسان بأنه بلا قيمة بدليل ضياع وقته مكرهاً على حفنة من المواد لا يتوافر من ورائها إلا القليل من الليرات اضطره دخله الهزيل وضيق العيش للتعارك من أجلها، وهذا الهدر والألم الجسدي والمعنوي لا تجده عند الآخرين من الفاسدين وتجار الأزمة لأنهم اكتنزوا من المال ما جعلهم بمنزلة أمراء حروب تُقضى جميع حوائجهم بطرفة عين.
كذلك الوقت يمضي مهدوراً على قارعة الطرقات أثناء انتظار الموظفين والطلاب وسائط النقل العامة وسط العوامل الجوية القاسية، فيما يركب آخرون من المقتدرين سياراتهم الفارهة ويصلون مبتغاهم وملذاتهم تحت المكيفات بأزمان قياسية لا تضيع ثانية منها.. والأمثلة غير ذلك الكثير .
هذا التمايز في قيمة الوقت أصبح مبعث قهر وشعور بعدم الإنصاف.. وما يزيد من قسوته أنه تفشى لدرجة عدم مقدرة الكثيرين على استمرار استيعابه وتحمله، وهنا ندرك أنه لا بد من تقريب الفوارق قدر المستطاع ما بين مردود الوقت عند البشر عبر تحسين دخول الطبقة العاملة واجتثاث الفساد وكبح جموح تجار الأزمة، توازياً مع توفير المواد المدعومة بالكميات والأوقات المناسبة وإيجاد آليات توزيع تحفظ للفقراء كرامتهم ولا تهدر وقتهم.