تِشْرِينُ 1973 وتِشْرِينُ اليوم
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه القضايا الكبرى هو تحويلها إلى ذكرى فحسب، سواء كانت هذه القضية انتصاراً أو هزيمةً، فكيف إن كان العنوان هو حرب تشرين، معركة العزة والفخر والشرف، الولاّدة أبداً لفكرة الرفض اللامشروط لوجود كيان غير شرعي قائم بحكم اللاقانون الدولي، وهزيمته واردة، فالتاريخ لن ينسى أبداً حرب تشرين التحريرية عام 1973 والانتصار العربي على كيان مدعوم ومسنود من القوى العالمية الكبرى وأولاها الولايات المتحدة الأمريكية، وإلحاق هزيمة ساحقة به من الجيوش العربية بقيادة سوريّة ومصريّة.. هذه الهزيمة التي حطّمت غطرسته وهدمت غروره، ربما كانت هي الأولى للكيان الصهيوني، لكنّها لم تكن، ولن تكون الأخيرة له حتماً، هزيمةٌ أثقلت كاهله، وقضّت مضجعه، وزلزلت أركانه، وأفقدته الثقة بنفسه، وهو يجهد دائماً لإخفاء انتكاساته وخوفه وقلقه، وجعلها في طيّ النسيان، وما حرب الاستنزاف التي شُنّت على الجبهتين السورية والمصرية، وعنونت من الكيان بـ«الحرب المنسية» إلا خير مثالٍ على شدّة الصفعة التي تلقّاها هذا الكيان الغاصب، والتي ما إن انتهت حتى جاءت صفعة حرب تشرين التحريرية نتيجةً حتميةً لرفض الاحتلال والتصميم على لفظه من قلب الخريطة العربية، التي كانت يومها تنبض نبضاً واحداً، وتجسِّد التضامن العربي في أقوى صوره، هذا التضامن الذي يحتاج اليوم إلى صحوة عربية قادرة على إعادة الاعتبار للبعد القومي الذي بات ضرورةً ملحّةً لحماية الحقوق الوطنية وصون قضايا الأمة العربية والدفاع عنها، ولاسيما إعادة المركزية للقضية الفلسطينية وما تستحقه من اهتمام في مواجهة الاستراتيجية التوسّعية والعدوانية اللامنتهية للحركة الصهيونية.
إنّ النظام العالمي اليوم، برغم كلّ التغيّرات الجزئية والمفصلية التي طرأت عليه، وما ينتابه من أحداث وتحوّلات سياسية واستراتيجية، فإن المشهد السياسي فيه مفضوحُ السمات منذ نصر حرب تشرين عام 1973 حتى تشرين اليوم، إذ إنّ المشروع الصهيو- أمريكي هو المستفيد الأول وصاحب المصلحة الحقيقية في إحداث كلّ المتغيّرات السلبية والانقسامات والشروخ والفوضى، وتسويق ثقافة الحروب بعناوينها السياسية المستحدثة على نحوٍ مباشر، أو عبر وكلائها، والهدف دائماً هو خدمة مصالح «إسرائيل» وأمريكا واستراتيجيتهما في المنطقة.. وأياً تكن العوامل التي تقود إلى تغيير النظام الدولي، والتي هي على أُهبَة النهوض اليوم، وملامحها حاضرة وواضحة ترتبط بالبيئة السائدة، فإن رأس الحربة دائماً هو الحركة الصهيونية.
وحتى يتم استهداف المنطقة العربية و”إلحاق الهزيمة” بالإرادة السياسية العربية، كان لابدّ من العمل والسعي إلى بثّ بذور التفرقة وعزل القضايا العربية بعضها عن بعض، وهذا أمر تحقيقه وارد، إلا حينما كانت وجهة المعتدين هي سورية، قلب العروبة النابض، التي تصدت بكل قوة للحرب الوحشية التي شُنت عليها، وهي حرب تشكّل انتقاماً تاريخياً من مخزون نضال وعروبة ما نضب ولن ينضب أبداً.
فنهج سورية المقاوم والممانع مازال حيّاً، وإن كان التكتيك السوري اليوم هو تحقيق النصر على الإرهاب والتطرّف، وتحرير كلّ شبر من الأرض دنّسه الغزاة المعتدون، لكن ستبقى «إسرائيل» هي العدو الأول والأخير، وسيبقى الموقف السوريّ المبنيّ على التمسّك بالأرض والحقوق والرافض للتنازلات أو الارتهان.