نيرفانا

خطوة أخرى، ويكون صيف هذا العام على حافة الانهيار، خطوة أخرى ونكون أمام خيارات لخريف صاعد نحو الأفول، خطوة أخرى ويضع الشتاء أصابعه الباردة في أعيننا، حلم آخر ويكون الربيع قد بالغ في رسم لوحاته التجريدية في الطابق الأعلى من نعاسنا المستحضر من زيت الأمل.
هي دورة الحياة المسجلة في دائرة الاستمرار بامتياز من الشراكة القسرية مع الفناء، وهي من تدفع بنا للظن بأننا نمتلك من الخطوات ما يكفي لتحقيق كلّ ما تكاثر في مخيلتنا من أحلام.
في الصيف نصعد نحو أسطح تكاد أن تلامس القمر في غليانه المستنفد لكلّ عتمة طالعناها ونحن نقرأ رواية / سد هارتا للروائي الألماني هرمان هيسه /.. لم يكن لغز الوجود هو من دفع “الشاب البرهمي ” للالتحاق بطائفة السامانا- النساك الهنود- كما يحلو لنقاد الأدب السير به نحو هذا الاتجاه، بل هي حتمية الفناء التي تلاحقنا مع ظهور كل ضوء نستدل به لمتابعة الركض ونحن نحمل أقدامنا على أعناقنا الحافية!.
في الخريف نسقط كورقة التوت بين أمواج نهر أخذ قدسيته من تفاصيل الرواية، هذا لم يكن ليرضي “سد هارتا” كان يريد أن يخرج من حيث سقطنا، فالمعرفة لن تأتي بتكرار العرف، وليست معنية بما يُفرض علينا من طقوس اعتادت الفصول أن تلقننا من تفاصيلها ذاك النفي الذي نحنّ إليه لكسب الجزء الأكبر من أقساطه المريحة.
في الشتاء، ومع كل حفنة كل برد تلمس جباهنا، سنتعرف بأن رحلة سد هارتا في بحثه عن الحقيقة لم تكن معنية بدورة فصول السنة، ولم يكن “هرمان هيسه” قد حدد بها في فصول الرواية، ولأن الحكاية هي قصتنا الأخيرة، نخمن أن الفصول تتملك الخطوات للأخذ بنا نحو التشبه بلون الماء، فيظهر “البوذا” كمخلص، يطالب البطل بالتخلص من “جوفيندا”صديقه القديم.
في الربيع، ونحن ننتشل حيرتنا من العدم، سنسير بخطا متثاقلة مع “سد هارتا”، سوف نرافق “كاما سوماي” التاجر في رحلته الآنية مع الحياة، رحلته الآنية مع الملاح “فازودنيا”، سنترافع أمامه بدونية القاتل أمام صديقته الغانية “كمالة”، وسوف نقابل مع النهاية الملاح “فازودنيا” ولكن هل نتعلم منه كيف ننصت إلى النهر، قد يكون هذا هو السؤال المخيف الذي أبعدنا عن مصارحة الذات للذات، وقد تكون “نيرفانا” هي من جعلتنا نطبق على الصفحة الأخيرة بأسناننا الحادة، لكن صوت “أوم” وإن جاء بحوافزه متأخراً، إلّا أنه استطاع مع النهاية أن يوقظ لسد هارتا روحه التي كانت في كل الفصول السابقة – غائبة عن بلوغ الكمال…

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار