تُصيبني حالات غريبة في الأيام الأخيرة أشعرتني بالحيرة، فكلما أذهب إلى السينما لأشاهد فيلماً جاء في تعريفه أنه يحكي عن الحرب ومآلات البشر المأساوية، ينتابني إحساس بضرورة الضحك، وأحبس قهقهاتي خشية أن يحسبني الآخرون مجنوناً، أو على أقل تقدير مُستهزئاً بكل تلك الآلام، فالحقيقة أنني لا أستطيع التعاطف مع أولئك البشر المعروضين على الشاشة الكبيرة، حتى إنني لا أشتم في ثنايا التراجيديا الخاصة بهم رائحة الدم ولا البارود، ولا غيرهما.
في المسرح أيضاً، رغم أن «البروشور» يوحي بالحيوية، وخلال العرض تكون المواقف الكوميدية هي العنوان العريض لمعظم الأحداث، إلا أن أبرز رغبة تسيطر عليّ ليست الضحك بل الاستكانة، ولا أعتقد أن مَرَدّ ذلك إلى «التطهير» الذي تحدث عنه أرسطو، ولا إلى العلاقة الحية مع الممثلين، فمعظم الشخصيات التي يؤدونها «مضعضعة» بالسخرية من ذاتها، ومأزومة في الواقع، ومع ذلك تدفع الآخرين للتعاطف معها والضحك من أفعالها، أما أنا فلا أتوانى عن اللا مبالاة، ومعها ترتفع حرارتي، وأبدأ باستخدام البروشور كمروحة يدوية، حتى ولو كانت مكيِّفات المسرح تعمل على أتم وجه.
الموضوع مُشابه في معارض الفن التشكيلي، فبعد أن كُنت أتذوّق مرارة اللون بتدرُّجاته وشفافياته المختلفة، وحلاوة الخطوط، قاسيةً كانت أم ليّنة، وملوحة الوَجَع في التكوين وتقاسيمه، وحموضة الظِّلال وطلاوة الأنوار، بات كل شيء بلا طعم، على اختلاف المدارس التشكيلية التي تنتمي إليها تلك اللوحات: واقعية ورمزية وسريالية ووحشية وانطباعية وتجريدية…
وفي الحفلات الموسيقية، بعد أن كنت أشعُّ حيوية ونضارة مع كل رَفَّةِ وتَر، وحركة قَوس، وزفرة عازف، ونقرة إيقاع، بتُّ أشعر بالوهن والوسن، وينحط جسمي انحطاطاً كأني أنهيت يوماً من العمل في «نجارة الباطون».
ومع قراءة آخر الإصدارات من الكتب، تُصيبني صعوبة في البلع، وغثيان، وفي بعض الأحيان حرقة في العينين والقلب.
سمع صديقي شرحي لحالتي، وعقَّب: «قُلتَ لي: لا تشتم الروائح في السينما، ولا تتذوق
الألوان، وترتفع حرارتك من اللا مبالاة في المسرح، وتشعر بانحطاط عام في الأمسيات الموسيقية، مع صعوبة في البلع وغثيان أثناء القراءة… آه، العوض بسلامتك، إنها كورونا ثقافية بامتياز».