ما أكثرها وأقلنا!
لم تعد تفاجئنا الحكايات القديمة بالعبرة، أو أنها تخبئ العبرة في ذيول فستانها «المكشكش»، حتى إننا بتنا ننتظر العبرة من دون كثير عناية بالتفاصيل التي يحملها فستان الجدة -الحكاية-، أو في أحسن الأحوال نتسابق في كشفها، إذا سألنا الراوي عنها، وفي حال لم يسألنا، أو قال: أريد عبرة من كل واحد منكم تختلف عن عبرة الآخر، وهو أمر لم يحدث لأن ذلك سيُعتبر شذوذاً وخروجاً عن قواعد التربية التي مازالت تصر على التشابه، بحجة وحدة الصف، أو بحجة المساواة!.
ماذا لو غيّرنا البداية؟
أن نبدأ بالعبرة مثلاً!، ثم ننتقل إلى القصة باحثين عن العبرة في التفاصيل؟، حينها سيكون السؤال: أين هي العبرة؟، بدلاً من السؤال: ما هي العبرة؟، وحينها ستبدو الحكاية وكأنها صبحية العجزة التي يأتي الرأي فيها أولاً، لا على طريقة المتنبي «الرأي قبل شجاعة الشجعان»، بل على طريقة المنافسة المجانية، عندما نختلف في الآراء والمواقف، وربما نختلف حول الأسباب والنتائج، أو حتى فيما جرى حقاً من الوقائع، فنبتكر شاهد عيان، يأخذ دور الحكواتي وقد حضر الواقعة تواً، ونقل إلينا الحكاية طازجة على لسان أحد الحضور!.
لا بأس في هذه الحالة فالناس اعتادت هذه الطريقة في التربية وممارسة الحصانة الاجتماعية، لتبرير كل خيار من خياراتها، برغم قلة المسائل المطروحة وكثرة المسائل المسكوت عنها!، وربما لهذا السبب لا يفضل وجود المختلف لأنه سيُعتبر غريباً!.
في الخيارين السابقين سلمنا جدلاً بوجود العبرة، فهل هذا أساسي أصلاً؟، وليكون السؤال أكثر دقة ووضوحاً، لنقل إن العبرة موجودة ولا شك في ذلك، ولكن، هل يعدّ أمر فصلها عن الحكاية، وعزلها، وتقديمها كثمرة «مقشرة»، هل يعدّ هذا «التسهيل» أمراً أساسياً؟.
ربما يكون ذلك مبرراً في المنطوق، وفي حكايات «الصبحية»، أو في حكايات ما قبل النوم، في حال كان المتلقي من العجزة أو من الأطفال، وفي حالات التسالي أو في حال استجلاب النعاس، لكن ليس له أي مبرر في المكتوب، فالنص ملك القارئ بعد ولادته من قلم الكاتب، ولا وصاية للكاتب على النص؛ لأن النص هنا يولد بالغاً!.